إنه لطفُ الله عزَّ وجلَّ، يلاحقُ عباده أينما سارُوا وأينما حلُّوا وأينما ارتحلُوا: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} .
وقد ذَكَرَ التنوخيُّ في كتابهِ «الفَرَجِ بعد الشِّدَّةِ» ما يناسبُ هذا المقام: أن رجلاً ضاقتْ عليه الحِيلُ، وأُغلقتْ عليه أبوابُ المعيشةِ، وأصبح ذات يومٍ هو وأهلُه لا شيء في بيتهم، قال: فبقيت أنا وأهلي اليوم الأول جوْعى وفي الثاني، فلما دنتِ الشمسُ للمغيبِ، قالت لي زوجتي: اذهبْ وانطلقْ والتمسْ لنا رزقاً أو طعاماً أو أكلاً، فقد أشرفْنا على الموتِ. قال: فتذكَّرتُ امرأةً قريبة لي، فذهبتُ إليها وأخبرتُها الخَبَرَ، قالت: ما في بيتِنا إلا هذهِ السمكةُ وقد أنتنتْ. قلتُ: عليَّ بها، فإنا قد أشرفْنا على الهلاكِ. وذهبتُ بها وبقرتُ بطنها، فأخرجتُ منها لؤلؤةً بعتُها بآلافِ الدنانيرِ، وأخبرتُ قريبتي، قالتْ: لا آخذُ معكم إلا قسمي. قال: فاغتنيتُ فيما بعدُ، وأثَّثتُ من ذلك بيتي، وأصلحتُ حالي، وتوسّعتُ في رزقي. فهو لطفُ اللهِ سبحانه وتعالى ليس غيرَهُ.
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} .
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} .