ساكناً يعرفُ مصيرَهُ ومنقلبه، والثاني عاش ممزَّق الإرادةِ، مبعثر الجهدِ، لم يبردْ غليلُه من مرادِه، ولا يعرفْ مستقبلهُ.
عند المسلمين أعظمُ دواءٍ عرفتْه البشريةُ، وأجلُّ علاجٍ اكتشفتْه الإنسانيةُ. إنه الإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ، حتى قال بعضُ الحكماءِ: لن يسعد في الحياةِ كافرٌ بالقضاءِ والقدرِ. وقد أعدتُ عليك هذا المعنى كثيراً، وعرضتُه لك في أساليب شتَّى، وأنا على عمْد، لأنني أعرفُ من نفسي ومن كثير مثلي أننا نؤمنُ بالقضاءِ والقدرِ فيما نحبُّه، وقد نتسخَّطُ عليه فيما نكرهُهُ، ولذلك كان شرطُ الملَّةِ وميثاقُ الوحيِ: ((أن تؤمن بالقدرِ خيرِه وشره، حلوِه ومرِّه)) .
أسوقُ هنا قصةً لتظهر سعادة من رضي بالقضاءِ، وحيرة وتكدُّر وشكَّ منْ سخِط مِن القضاءِ:
فهذا كاتبٌ أمريكيٌ لامعٌ، اسمُه «بودلي» مؤلّفُ كتابِ «رياح على الصحراءِ» ، و «الرسول - صلى الله عليه وسلم -» وأربعة عشرَ كتاباً أخرى، وقد استوطن عام 1918 م إفريقية الشمالية الغربية، حيث عاش مع قومٍ من الرُّحَّل البدوِ المسلمين، يصلُّون ويصومون ويذكرون الله. يقولُ عن بعضِ مشاهدِه وهو معهم: هبَّتْ ذات يومٍ عاصفةٌ عاتية، حملت رمال الصحراءِ وعبرتْ بها البحر الأبيض المتوسط، ورمتْ بها وادي الرون في فرنسا، وكانت العاصفة