هذا الخطيبُ المِصْقعُ لا يلتوي لسانُه إذا تراكضتِ الألفاظُ في ميدانِ البيانِ، بل يمضي ساطعاً صارماً متدفِّقاً.
هو خطيبُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحسْبُ، وخطيب الإسلام وكفى، كان يرفع صوته بالخطبِ بين يدي رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لنصرةِ الدِّين، إنه ثابتُ بنُ قيسِ بن شمّاس، وأنزل اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} . وظنَّ قيسٌ أنه هو المقصودُ، فاعتزل الناس واختبأ في بيتِه يبكي، وفقده رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنه، فأخبره الصحابةُ الخَبَرَ، فقال: ((كلاَّ، بل هو من أهلِ الجنةِ)) .
فصارتِ النذارةُ بشارةٌ.
هناءٌ محا ذاك العزاء المقدَّما ... فما جزِع المحزونُ حتى تبسَّما
وتبقى عائشةُ أمُّ المؤمنين - رضي اللهُ عنها - تبكي شهراً كاملاً ليلاً ونهاراً، حتى كاد البكاء يمزِّقُ كبِدها ويفري جسمها، لأنها طُعنتْ في عِرْضها الشريفِ، العفيفِ، فجاء الفرج: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} . وحمدتِ الله وصارتْ أطهر الطُّهرِ، كما كانتْ، وفرح المؤمنون بهذا الفتحِ المبينِ.
والثَّلاثةُ الذين تخلَّفوا عن غزوةِ تبوك، وضاقْتْ عليهمْ الأرضُ بما رحُبتْ، وضاقتْ عليهم أنفسُهم، وظنُّوا أن لا ملجأ من اللهِ إلا إليه، أتاهم الفرجُ ممنْ يملكُه - سبحانه- ونزل عليهم الغوْثُ من السميعِ القريبِ.