يومٍ برسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فناداهُ باسمِهِ وصاح به: ((يا جُليْبيبُ ألا تتزوَّجُ؟)) . قال: يا رسول اللهِ، ومنْ يُزوِّجُني؟ ولا مالٌ ولا جاهٌ؟ ثمَّ مرَّ به أخرى، فقال له مثْل قولهِ الأولِ، وأجاب بنفسِ الجواب، ومرَّ ثالثةً، فأعاد عليه السؤال وأعاد هو الجواب، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا جليبيبُ، انطلِقْ إلى بيتِ فلانٍ الأنصاريِّ وقُلْ له: رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقرئُك السلام، ويطلبُ منك أن تُزوِّجني بِنْتك)) .
وهذا الأنصاريَّ منْ بيتٍ شريفٍ وأسرةٍ موقرةٍ، فانطلق جليبيبٌ إلى هذا الأنصاريِّ وطرق عليه الباب وأخبره بما أمره به رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال الأنصاريُّ: على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلامُ، وكيف أُزوِّجك بنتي يا جليبيبُ ولا مالٌ ولا جاهٌ؟ وتسمعُ زوجتُه الخَبَرَ فتعجبُ وتتساءلُ: جليبيبٌ! لا مالٌ ولا جاهٌ؟ فتسمُع البنتُ المؤمنةُ كلام جليبيبٍ ورسالة الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - فتقول لأبويها: أترُدَّانِ طلب رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لا والذي نفسي بيدِهِ.
وحصل الزواج المبارك والذُّرِّيَّةُ المباركةُ والبيتُ العامرُ، المؤسَّسُ على تقوى من اللهِ ورضوانٍ، ونادى منادي الجهادِ، وحضر جليبيبُ المعركة، وقتل بيده سبعةً من الكفارِ، ثم قُتل في سبيلِ اللهِ، وتوسد الثرى راضياً عنْ ربِّه وعنْ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - وعنْ مبدئِه الذي مات منْ أجلِهِ، ويتفقَّدُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - القتلى، فيُخبرُه الناسُ بأسمائِهم، وينسون جليبيباً في غمرةِ الحديث، لأنهُ ليس لامعاً ولا مشهوراً، ولكنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يذكُرُ جليبيباً ولا ينساهُ، ويحفظُ اسمه في الزحامِ ولا يُغفله، ويقولُ: ((لكنَّني أفقِدُ جليبيباً)) .
ويجده وقد تدثَّر بالتراب، فينفضُ التراب عن وجهه ويقولُ له: ((قَتَلْتَ سبعة ثم قُتِلْت؟ أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك)) . ويكفي هذا الوسام النبويُّ جليبيباً عطاءً ومكافأةً وجائزةً.