وكذلك ممَّا يشتِّتُ الذهن، ويُورِث الغمَّ، الدَّيْنُ والتبِعاتُ الماليةُ والتكاليفُ المعيشيَّةُ. وهناك أصولٌ في هذه المسألةِ أريدُ ذِكرها:
أولها: ما غال منِ اقتصدُ: ومنْ أحْسَنَ الإنفاق، وحفِظ مالهُ إلاَّ للحاجة، واجتنب التبذير والإسراف، وَجَدَ العون من اللهِ {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} ، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} .
الثاني: كسْب المال من الوجوهِ المُباحةِ، وهجْرُ كلِّ كسبٍ محرَّمٍ، فإنَّ الله طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّباً، واللهُ لا يُباركُ في المكسبِ الخبيثِ {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} .
الثالث: السَّعْيُ في طلبِ المالِ الحلالِ، وجمْعُه منْ حلِّه، وتركُ العطالةِ والبطالةِ، واجتنابِ إزجاءِ الأوقاتِ في التفاهاتِ، فهذا ابنُ عوف يقول: دُلُّوني على السوقِ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
مرَّ هذا الرجلُ الفقيرُ المعدومُ، وعليهِ أسمالٌ باليةٌ وثيابٌ رثَّة، جائع البطْن، حافي القدمِ، مغمور النَّسبِ، لا جاهٌ ولا مالٌ ولا عشيرةٌ، ليس له بيتٌ يأوي إليهِ، ولا أثاث ولا متاع، يشربُ من الحياضِ العامَّةِ بكفَّيْه مع الواردين، وينامُ في المسجدِ، مخدَّتُه ذراعُه، وفراشُه البطحاءُ، لكنَّه صاحبُ ذِكرٍ لربِّه وتلاوةٍ لكتابِ مولاهُ لا يغيبُ عنِ الصَّفِّ الأولِ في الصلاةِ والقتالِ، مرَّ ذات