للرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((كلا واللهِ لا يُخزيك اللهُ أبداً لتصِلُ الرَّحِم، وتحمِلُ الكلَّ، وتكسِبُ المعدوم، وتُعينُ على نوائِبِ الدَّهْرِ)) . فانظُرْ كيف استدلَّتْ بمحاسنِ الأفعالِ على حُسْنِ العواقبِ، وكَرَمِ البدايةِ على جلالِة النهايةِ.
وفي كتاب «الوزراء» للصابي، و «المنتظم» لابنِ الجوزي، و «الفَرَجِ بعد الشِّدَّةِ» للتنوخي قصَّةٌ، مفادُها: أن ابن الفراتِ الوزير، كان يتتبَّعُ أبا جعفرٍ بن بسطامٍ بالأذِيَّة، ويقصدُه بالمكاره، فلقي منه في ذلك شدائد كثيرةً، وكانت أُمّ أبي جعفر قد عوَّدته - منذُ كان طفلاً - أنْ تجعل له في كلِّ ليلةٍ، تحت مخدَّته التي ينامُ عليها رغيفاً من الخبزِ، فإذا كان في غدٍ، تصدَّقتْ به عنه. فلمَّا كان بعد مُدَّة من أذيَّةِ ابنِ الفراتِ له، دخل إلى ابن الفراتِ في شيءٍ احتاج إلى ذلك فيه، فقال له ابنُ الفراتِ: لك مع أُمِّك خُبْزٌ في رغيف؟ قال: لا. فقال: لابُدَّ أن تصدُقني. فذكر أبو جعفر الحديث، فحدَّثه به على سبيل التَّطايُبِ بذلك منْ أفعالِ النساءِ. فقال ابنُ الفراتِ: لا تفعلْ، فإنّي بتُّ البارحة، وأنا أُدبِّرُ عليك تدبيراً لو تمَّ لاستأصلْتُك، فنمتُ، فرأيتُ في منامي كأنَّ بيدي سيفاً مسلولاً، وقد قصدتُك لأقتلك به، فاعترضتْني أُمُّك بيدِها رغيفٌ تُترِّسُك به منّي، فما وصلتُ إليك، وانتبهتُ. فعاتبه أبو جعفر على ما كان بينهما، وجعل ذلك طريقاً إلى استصلاحِه، وبذل لهُ منْ نفْسِه ما يريدُه منْ حُسْنِ الطاعةِ، ولم يبرحْ حتى أرضاهُ، وصارا صديقيْن. وقال له ابنُ الفراتِ: واللهِ، لا رأيت منِّي بعدها سُوءاً أبداً.