والمؤلِّفان: أبو حامدٍ الغزاليُّ، وأبو طالبٍ المكيُّ، أرادا الخَبْرَ، لكنْ كانت بضاعتُهما في السُّنّةِ والحديثِ مُزْجاةً، فمنْ هنا وقع الخَلَلُ، ولابُدَّ للدليل أن يكون ماهراً في الطريق خِرِّيتاً في معرفة المسالكِ {وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} .
الصّفةُ البارزةُ في مُعَلِّمِ الخيرِ - صلى الله عليه وسلم -: انشراحُ الصدرِ والرِّضا والتَّفاؤلُ، فهو مبشِّرٌ، ينهى عن المشقَّةِ والتنفير، ولا يعرفُ اليأس والإحباط، فالبسمةُ على مُحيَّاه، والرِّضا في خلدِه، واليُسْرُ في شريعتِه، والوسطيَّةُ في سُنَّتِه، والسعادةُ في مِلَّته. إنَّ جُلَّ مهمَّتِهِ أن يضع عنهم إصْرهم والأغلال التي كانتْ عليهم.
إنّ من إضفاء السعادة على المُخاطبين بكلمة الوعي، التَّدرُّجُ في المسائلِ، الأهمُّ، يصدِّقُ هذا وصيتُه - صلى الله عليه وسلم - لمعاذٍ - رضي اللهُ عنه - لمَّا أرْسَلَه إلى اليمنِ: ((فليكُنْ أوَّل ما تدعوهمْ إليه، أنْ لا إله إلا الله وأني رسولُ اللهِ.....)) الحديث. إذن في المسألة أولٌ وثانٍ وثالثٌ، فلماذا نُقحمُ المسائل على المسائل إقحاماً، ولماذا نطرحُها جملةً واحدةً؟! {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} .