من العِلْمِ، لأنهم سمعُوا جُملاً ما فهموها، ومسائل ما عَرَفُوها، وما كانتْ مصيبةُ الخوارج إلاَّ منْ قلَّةِ علْمِهِمْ وضحالةِ فهْمِهم؛ لأنهمْ لم يقعُوا على الحقائقِ، ولم يهتدُوا إلى المقاصدِ، فحافظُوا على النُّتفِ، وضيَّعُوا المطالب العالية، ووقعُوا في أمرٍ مريجٍ.
طالعتُ كتابينِ شهيرينِ، لا أرى إلاَّ أنَّ فيهما سطوةً عارمةً على السعادةِ واليُسْرِ اللذيْنِ أتى بهما الشارعُ الحكيمُ.
فكتابُ «إحياء عِلوم الدينِ» للغزاليِّ، دعوةٌ صارخةٌ للتجويعِ والعُرْيش (والبهذلة) ، والآصالِ والأغلالِ التيِ أتى رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - لوضْعِها عنِ العالمين. فهو يجمعُ من الأحاديثِ، المتردِّية والنطِيحة وما أكل السَّبُعُ، وغالبُها ضعيفةٌ أو موضوعةٌ، ثم يبني عليها أُصُولاً يظنُّها منْ أعظمِ ما يُوصِّلُ العبدُ إلى ربِّه.
وقارنتُ بين إحياءِ علومِ الدين وبينِ الصحيحين للبخاري ومسلم، فبان البونُ وظهر الفرْقُ، فذاك عَنَتٌ ومشقَّةٌ وتكلُّفٌ، وهذه يُسْرُ وسماحةٌ وسهولةٌ، فأدركتُ قول البري: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} .
والكتابُ الثاني: «قُوتُ القلوبِ» لأبي طالب المكَّيَّ، وهو طلبٌ مُلِحٌّ منه لترْكِ الحياة الدنيا والانزواء عنها، وتعطيل السَّعْيِ والكسْبِ، وهجْرِ الطَّيَّباتِ، والتَّسابُقِ في طرقِ الضَنْكِ والضَّنى والشِّدَّة.