الراضين الشاكرين. وإذا فاتهُ الرضا، كان من الساخطين، وسلك سُبُل الكافرين. وإنما وقع الحيْفُ في الاعتقاداتِ والخللُ في الدياناتِ مِنْ كوْنٍ كثيرٍ من العبيدِ يريدون أن يكونوا أرباباً، بلْ يقترحون على ربِّهم، ويُحِلُّون على مولاهم ما يريدون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} .
السُّخطُ مصيدةٌ للشيطانِ:
والشيطانُ إنما يظفرُ بالإنسانِ غالباً عند السخطِ والشهوةِ، فهناك يصطادُه، ولاسيَّما إذا استحكم سخطُه، فإنهُ يقولُ ما لا يُرضي الرَّبَّ، ويفعلُ ما لا يُرضيه، وينوي ما لا يُرضيهِ، ولهذا قال النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عند موت ابنهِ إبراهيم: ((يحزنُ القلبُ وتدمعُ العينُ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا)) . فإنَّ موت البنين من العوارضِ التي تُوجِبُ للعبدِ السخط على القَدَرِ، فأخبرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنهُ لا يقولُ في مثْلِ هذا المقامِ - الذي يسخطُه أكثرُ الناسِ، فيتكلَّمون بما لا يُرضي الله، ويفعلون ما لا يرضيه - إلا ما يُرضي ربَّه تبارك وتعالى. ولو لمح العبدُ في القضاءِ بما يراهُ مكروهاً إلى ثلاثةِ أُمورٍ، لهان عليه المصابُ.
أوَّلها: علمُه بحكمةِ المقدِّرِ جلَّ في علاه، وأنهُ أخْبَرُ بمصلحةِ العبدِ وما ينفعُه.
ثانيها: أنْ ينظر للأجرِ العظيمِ والثوابِ الجزيلٍ، كما وعد اللهُ منْ أُصِيب فصبر مِنْ عبادِهِ.
ثالثُها: أن الحُكم والأمر للرَّبِّ، والتسليم والإذعان للعبدِ: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} .