قال بعضُ الحكماءِ: عواقبُ الأمورِ تتشابهُ في الغيوب، فرُبَّ محبوبٍ في مكروهٍ، ومكروهٍ في محبوبٍ، وكمْ مغبوطٍ بنعمةٍ هي داؤُه، ومرحومٍ من داءٍ هو شفاؤُه.
وكان يُقالُ: رُبَّ خيرٍ منْ شرٍّ، ونفعٍ منْ ضرٍّ.
وقال وداعةُ السهميُّ، في كلامٍ له: اصبرْ على الشَّرِّ إنْ قَدَحَك، فربَّما أجْلى عما يُفرحُك، وتحت الرَّغوةِ اللبنُ الصَّريحُ.
يأتي اللهُ بالفرحِ عند انقطاعِ الأملِ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} ، {إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} .
يقولُ بعضُ الكُتّابِ: وكما أنَّ الله - جلَّ وعلا - يأتي بالمحبوبِ من الوجهِ الذي قدَّرّ ورودّ المكروهِ منه، ويفتحُ بفرج عند انقطاعِ الأملِ، واستبهامِ وجوهِ الحِيل، ليحُضَّ سائر خلْقه بما يريدهم من تمام قدرته، على صرف الرجاء إليهِ، وإخلاصِ آمالِهم في التَّوكُّلِ عليه، وأنْ لا يَزْوُوا وجوههُم في وقتٍ من الأوقاتِ عنْ توقُّعِ الرَّوْحِ منه، فلا يعدلُوا بآمالِهم على أيِّ حالٍ من الحالاتِ، عنِ انتظارِ فرجٍ يصدُر عنه، وكذلك أيضاً يسرُّهم فيما ساءهم، بأنْ كفاهم بمحنةٍ يسيرةٍ، ما هو أعظمُ منها، وافتداهُمْ بمُلِمَّةٍ سهلةٍ، ممَّ كان أنكى فيهمْ لو لحِقهُمْ.
لعلَّ عتْبك محمودٌ عواقبُهُ ... فربَّما صحَّتِ الأجسامُ بالعِللِ