ووجدتُ أنَّ الجميع كلَّهمْ يبحثون عنِ السعادِة والاطمئنانِ، ولكنْ قليلٌ منهمْ منِ اهتدى إلى ذلك ووُفِّق لنيْلِها. وخرجتُ من الكتابِ بثلاثِ فوائد:
الأولى: أنَّ منْ لم يجعلِ الله نصب عينيه، عادتْ فوائدُه خسائِر وأفراحُه أتراحاً، وخيراتُه نكباتٍ {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} .
الثانيةِ: أنَّ الطرق الملتوية الصَّعْبة التي يسعى إليها كثيرٌ من الناسِ في غيرِ الشريعةِ، لنيلِ السعادةِ، يجدونها - بطُرُقٍ أسهَلَ وأقرَبَ - في طريق الشرعِ المحمديِّ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} فينالون خَيْرَ الدنيا وخَيْرَ الآخرةِ.
الثالثةِ: أنَّ أُناساً ذهبتْ عليهمْ دنياهم وأخراهم، وهمْ يظُنُّون أنهم يُحسنون صُنعاً، وينالون سعادةً، فما ظفرُوا بهذه ولا بتلك، والسببُ إعراضُهم عن الطريقِ الصحيحِ الذي بعث اللهُ به رُسُلَهُ، وأنزل به كتبه، وهي طلبُ الحقِّ، وقولُ الصدْقِ، {َتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} .
كان أحدُ الوزراءِ في لهوهِ وطربِه، فأصابه غمٌّ كاتِمٌ، وهمٌّ جاثِمٌ فصرخ:
ألا موتٌ يُباعُ فأشترِيهِ ... فهذا العيشُ ما لا خير فيهِ
إذا أبصرتُ قبراً من بعيدٍ ... وددتُ لو أنني ممَّا يليِهِ
ألا رحِم المهيمنُ نفْس حُرٍّ ... تصدَّق بالوفاةِ على أخيهِ