وقال أيضاً: «الترفُّفهُ كالليلِ، لا تتأملْ فيه ما تصدرُه أو تتناولُه، والشدة كالنهارِ، ترى فيها سعيك وسعي غيرِك» .
وقالُ أزدشير: «الشدَّةُ كُحْلٌ ترى به ما لا تراه بالنعمة» .
ويقول أيضاً: «ومِلاكُ مصلحةِ الأمرِ في الشدَّةِ شيئان: أصغرُهما قوةُ قلبِ صاحبِها على ما ينوبُه، وأعظمُها حُسْنُ تفويضِهِ إلى مالكِهِ ورازقِهِ» .
وإذا صَمَدَ الرجلُ بفكرِهِ نَحْوَ خالقِهِ، علم أنهُ لمْ يمتحِنْه إلا بما يوجبُ له مثوبةً، أو يمحِّصُ عنه كبيرةً، وهو مع هذا من اللهِ في أرباحٍ متصلةٍ، وفوائد متتابعةٍ.
فأما إذا اشتدَّ فكرُهُ تلقاء الخليقةِ، كثرتْ رذائلُه، وزاد تصنُّعه، وبرِم بمقامِه فيما قصُر عن تأمُّلهِ، واستطال من المِحنِ ما عسى أن ينقضي في يومِهِ، وخاف من المكروهِ ما لعلَّه أنْ يخطئهُ.
وإنما تصدقُ المناجاةِ بين الرجلِ وبين ربِّهِ، لعلمِهِ بما في السرائرِ وتأييدِهِ البصائر، وهي بين الرجلِ وبين أشباهِهِ كثيرةُ الأذيةِ، خارجةٌ عن المصلحةِ.
وللهِ تعالى رَوْحٌ يأتي عند اليأسِ منهُ، يُصيبُ به منْ يشاءُ من خلقِهِ، وإليهِ الرغبةُ في تقريبِ الفرجِ، وتسهيلِ الأمرِ، والرجوعِ إلى أفضلِ ما تطاول إليه السُّؤْلُ، وهو حسبي ونِعْم الوكيلُ.
طالعتُ كتاب (الفرجُ بعد الشدةِ) للتنوخيِّ، وكرَّرتُ قراءته فخرجتُ منه بثلاثِ فوائدَ: