ومنْ آياتِ اللهِ عزَّ وجلَّ: اختلافُ صفاتِ الناسِ ومواهبِهمْ، واختلافِ ألسنتِهمْ وألوانِهمْ، فأبو بكر برحمتِهِ ورفقِهِ نفعَ الأمةَ والملَّة، وعمرُ بشدَّتِهِ وصلابتِهِ نصر الإسلامَ وأهله، فالرضا بما عندك من عطاءٍ موهبةٌ، فاستثمرها ونمِّها وقدِّمها وانفع بها، {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} .
إنَّ التقليد الأعمى والانصهار المسرف في شخصياتِ الآخرين وأدٌ للموهبةِ، وقَتْلٌ للإرادةِ وإلغاءٌ متعمَّدٌ التميُّزِ والتفرُّدِ المقصودِ من الخليقةِ.
وأقصدُ بها العزلة عن الشرِّ وفضولِ المباحِ، وهي ممّا يشرحُ الخاطر ويُذهبُ الحزن.
قال ابن تيمية: لا لابدَّ للعبدِ من عزلةٍ لعبادتِه وذكرِه وتلاوتِه، ومحاسبتِه لنفسِه، ودعائِه واستغفارِه، وبُعدِه عن الشرِّ، ونحوِ ذلك.
ولقد عقد ابنُ الجوزي ثلاثة فصولٍ في (صيْدِ الخاطرِ) ، ملخَّصها أنه قال: ما سمعتُ ولا رأيتُ كالعزلة، راحةً وعزّاً وشرفاً، وبُعداً عن السوءِ وعن الشرِّ، وصوْناً للجاهِ والوقتِ، وحِفظاً للعمرِ، وبعداً عن الحسَّادِ والثقلاءِ والشامتين، وتفكُّراً في الآخرةِ، واستعداداً للقاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واغتناماً في الطاعةِ، وجولان الفكر فيما ينفعُ، وإخراج كنوزِ الحِكَمِ، والاستنباط من النصوصِ.
ونحو ذلك من كلامِهِ ذكرهُ في العزلةِ هذا معناه بتصرُّف.