وطريقة الاستخراج للحديث من هذا الكتاب تتوقف على معرفة الصحابي. فإذا كان الصحابي من المكثرين مثل سيدنا أبي هريرة وسيدنا جابر وأمنا عائشة فالعناء شديد في معرفة الحديث.
ولما كنت أشتغل بتحقيق وخدمة كتاب مناسك الحج لابن جماعة " هداية السالك " اشتغلت به إحدى عشرة سَنَةً، وقد عزا الكتاب جملة من حديث سيدنا جابر في صفة حج النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إلى " المسند "، فحاولت جهدي لمعرفة مكان الحديث في " المسند "، وَمَرَّتْ معي الجملة، وخطف بصري، وما حصلت عليها. إلى أن كَلَّفْتُ عَدَدًا من الطلاب الذين كنت أدربهم في «مكتبة الأسد» بالبحث عن الحديث في خمس نسخ من " المسند " كانت موجودة في قاعة المطالعة العامة، فقلت لهم: «خُذُوا " المُسْنَدَ " وَتَقَاسَمُوهُ بَيْنَكُمْ»، وأعطيتهم الجملة التي أريد أن أخرجها وبعد مدة ربع ساعة أو أكثر قليلاً عثر على الجملة، وملأت الفراغ الذي تركته لعزوها. فطول " المسند " جعل البصر يخطف، ويمر على المطلوب ولا يدركه. وقد يسر الله لطلاب العلم هذه الصعوبة بالفهارس والأقراص وغير ذلك مما سنعرض له فيما بعد إن شاء الله تعالى.
توجد فوائد للمسند مهمة جداً، كشفتها الأيام، ومنها:
1 - معرفة ما لكل صحابي من أحاديث، طبعاً معرفة تقريبية؛ لأن المسانيد لم تجمع كل شيء.
2 - أيضاً تُعَرِّفُنَا بطبيعة الأحاديث التي يرويها هذا الصحابي: مواعظ، أحكام، أمور اجتماعية ... فقد يتميز حديث بعض الصحابة بسمة معينة؛ تبعاً لميله الذي يجعله يستحفظ الأحاديث التي تناسب ميله أكثر من غيرها.
3 - وفائدة أخرى مهمة جداً ظهرت عندما تكلم بعض الأفَّاكين في سيدنا أبي هريرة، فنص العلماء على أن أبا هريرة لم ينفرد عن غيره من الصحابة إلا بأحاديث قليلة، ويحتمل تفرده لكثرة حفظه، كما هو القانون في حفاظ الحديث. من أمعن في مرافقة أولى الناس - وقد لازم النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - - أن تطبق عليه هذه القاعدة فقام مشايخنا جزاهم الله كل خير بالنظر في الأحاديث التي تُكُلِّمَ عليها من مرويات أبي هريرة، ووجدوها تُرْوَى من طرق صحابة آخرين، ولو أنه تفرد بها لقبلنا، لكن زاد الله القوة والحجة بوجود شواهد لما يرويه أبو هريرة مما انتقده هؤلاء الناقدون. فالمسند فيه هذه الفوائد، وفيه غيرها أيضاً.