الأمر الثاني: أنا أود أن أنبه إلى قضية مهمة قبل أن أدخل في موضوع كتب العقيدة أن السلف -رحمهم الله- تركوا لنا تراثاً ضخماً جداً، لا يمكن أن يوازى بأي حضارة، وبأي تراث موجود على ظهر الأرض، ولا أدل مما نشاهده الآن في كل مكتبات العالم، مما تركوه لنا من مخطوطات، الذي أخرج الآن إنما هو نزر يسير، والسلف -رحمهم الله- تركوا لنا حضارة كبيرة مما يدل على اعتنائهم بالعلم، وأي أمة اعتنت بالعلم واهتمت بالعلم كما اهتم سلفنا، سوف تحوز السبق على غيرها من الحضارات.
الأمر الثالث: السلف -رحمهم الله- وهو له علاقة وثيقة بما سبق، وبما سوف يلحق الآن، وهو أنهم لما بدءوا يدونون السنة، دونوها تدويناً عاماً شاملاً، وبدءوا على هيئة الأسانيد، كما ذكر فضيلة الشيخ، لكن كان منطلقهم بذلك أمرين:
الأمر الأول: أن غرضهم الحفظ.
الأمر الثاني: كان اعتقادهم، وكان منهجهم أن هذا كله دين من عند الله -عز وجل-، لم يفرقوا بين عقائد ولا أحكام كله يأخذوه لله -عز وجل- دين يدين الله -عز وجل- به، متى ظهر هذا التفريق بين كتب العقائد والحديث وغيرها؟ لما ظهرت البدع، وبدءوا يصنفون اضطر السلف -رحمهم الله-، وكان هذا اضطراراً منهم، أن جعلوا أول مرحلة من مراحل التدوين، أن ألحقوا كتب في كتب السنة مثل الكتب الستة وغيرها أبواب، خصصوا أبواب، وأفردوا كتباً وأبواباً في الاعتقاد، والرد على المخالفين، وهذا الأمر الشيخ تكلم عليه في كتاب التوحيد للبخاري، والسنة لأبي داود، كتاب الإيمان في مسلم وفي البخاري وغيرها، ولا نريد أن نتكلم عنها.