أيضاً يعنى بكتب علوم الحديث، من أولها كتاب (المحدث الفاصل) للرامهرمزي، صحيح الكتاب لم يستوعب باعتباره من اللبنات الأولى في التأليف في هذا الفن، وطبيعي أن أول شخص يؤلف يحصل عنده نقص، ثم يكمل فيما بعد، (معرفة علوم الحديث) للحاكم، كتاب نفيس يعنى به طالب العلم، وإن قال الحافظ ابن حجر: "أنه لم يهذب ولم يرتب" قال في مقابل ذلك ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: "أنه أول من هذب هذا العلم ورتبه" ابن حجر يقول: "لم يهذب ولم يرتب" وابن خلدون يقول: "أول من هذب ورتب" هل في هذا تعارض؟ نعم، كيف تدفع مثل هذا التعارض؟ كلامهما صحيح يمكن تنزيله: لم يهذب ولم يرتب بالنسبة لمن جاء بعده، الذين جاءوا بعده أكثر ترتيب وتهذيب؛ لكن إذا نظرنا إليه بالنسبة لمن ألف في الفن قبله فهو أول من رتب وهذب، على كلام ابن خلدون، فلا تعارض.
من الكتب المهمة في الباب كتاب (الكفاية) للخطيب، وهو في قوانين الرواية، كتاب مفيد ونافع للأسانيد كالكتاب الذي تقدم.
والخطيب له في كل باب، وفي كل نوع من علوم الحديث منصف خاص، حتى قال ابن نقطة: "كل من أنصف عرف أن أهل الحديث عيال على كتب الخطيب" يعني من صنف في علوم الحديث لا بد أن يراجع كتب الخطيب، وإن ناله من ناله من بعض المتأخرين من أنه خلط هذا العلم, وأدخل فيه أصول الفقه، ومزج بينهما، وعلم أصول الفقه متأثر بعلم الكلام، كل هذا لا يحط بقيمة الكتاب، ولا بإمامة مؤلفه.
للخطيب بالمناسبة كتاب في غاية الأهمية لطالب العلم اسمه (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) كتاب يتعين لطالب العلم الاطلاع عليه، والتأدب بآداب أهل العلم، لما نرى من وجود شيء من الغلظة والجفوة بين طلاب العلم، لا أقول: هذا موجود بكثرة؛ لكنه موجود، غالب طلاب العلم -ولله الحمد- أخذوا العلم من أبوابه، وتحلوا بآدابه؛ لكن يوجد من طلاب العلم من ينصح بقراءة مثل هذا الكتاب، فإذا قرأنا مثل هذا الكتاب وقرأنا (جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البر، و (فضل علم السلف على الخلف) لابن رجب، وطالب العلم عليه أن يقرأ مقدمة الخطيب لكتاب (موضح أوهام الجمع والتفريق) ليعرف كيف يتعامل مع الكبار.