نعم كتب التواريخ مما يجدر بطالب العلم العناية بها، طالب العلم بأمس الحاجة إلى التواريخ، لما فيها من عبرة وعظة ومتعة أيضاً، عبرة وعظة ومتعة واستجمام للذهن، نعم لأن الذهن إذا حصر على المقاصد التي هي العلوم الشرعية، وما يخدمها خدمة مباشرة لا شك أنه يمل ويكسل، فهو بحاجة إلى استراحة، فالذهن مثل الجسد يحتاج إلى استجمام، نعم فيستجم بكتب التواريخ وكتب الأدب على ما سيأتي؛ لكن كتب التواريخ فيها العبرة والعظة، وفيها أخبار من سبق، والتواريخ السنن الإلهية التي جعلها الله للخليقة لا تتغير ولا تتبدل، نعم فلنأخذ العبر، ولنأخذ العظات، ولذا قال -جل وعلا- في آخر سورة يوسف: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [(111) سورة يوسف] ما هو مجرد قصص ولا تسلية ولا من أجل إيناس الناس ولا إضحاكهم نعم، هذه القصص التي فيها العبرة والمتعة والعظة والاطلاع على أحوال الأمم الماضية كلها مستمد من القرآن والسنة، ومتلقى بعضه عن الأمم السابقة كأهل الكتاب على وجه الخصوص، وقد أمرنا أن نحدث عنهم ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وجاء في بعض الروايات: ((لأن فيهم الأعاجيب)) فهذه الكتب يعني كتب التواريخ بقدر ما فيها مما ذكرت إلا أنها تشتمل على الصحيح وغيره، وهي أيضاً تصاغ من وجهة نظر المؤلفين، فإذا رضوا عن دولة، أو رضوا عن شخص، بالغوا في مدحه والثناء عليه، وفي المقابل إذا لم يرضوا ذموه، ولذا يقول القحطاني في نونيته الشهيرة:
لا تقبلن من التوارخ كلما ... جمع الرواة وخط كل بنانِ