فالمربي إذن دلال يدل من حوله على منابع الإيمان وعلى ما تذوَّقه من القرآن، ففيوضات القرآن لا حدود لها، وتسع جميع الخلق. بل إن من علامة صدق المربي: انطلاق الأفراد في التعامل مع القرآن وتعرفهم على أشياء لم يعرفها ولم يسبق له هو معرفتها.

أما المربي الذي يقف في منتصف الطريق بين من معه من ناحية، وبين القرآن ومنابع الإيمان من ناحية أخرى - بمعنى أنه يسقيهم بيده بعضا مما استفاده هو من القرآن - فهذا المربي قد جانبه الصواب في أدائه لوظيفته، ولن يكون له تأثر كبير وجوهري ومستمر على من معه، لأنه قد ربطهم به، ولم يعلمهم كيف يستطيعون الانتفاع بالقرآن بمفردهم.

أما إذا أفسح لهم الطريق وأخذ بأيديهم حتى يجدوا أنفسهم وجها لوجه مع القرآن ينهلون من نبعه، ويتمتعون بحلاوته، ويدخلون إلى دائرة تأثيره .. كل ذلك يحدث لهم، وهو بينهم يوجه الطاقات، ويضبط الفهم ويشحذ الهمم .. فإنه عن فعل ذلك فقد قام بمهمته خير قيام، وأنتج للأمة نواة الجيل القرآني الذي انتظرته طويلا، فتجتمع حوله، وتسير وراءه تحرر الأوطان، وتعيد الخلافة وتسود العالم، وما ذلك على الله بعزيز: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء/105، 106].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015