مما لا شك فيه أن معرفة المعنى ستزيد الفهم، وتفتح آفاقا جديدة للعقل في تعامله مع الآيات، ولكن في نفس الوقت لو تم ذلك مع كل كلمة غريبة تقابلنا فسينقطع اتصالنا بالقرآن ومن ثَمّ يضعف تأثرنا به، ويتحول انتفاعنا إلى انتفاع عقلي فقط، وهذا جزء يسير من التغيير الذي نريده. فالتغيير الأهم هو ما يُحدثه القرآن في القلب من زيادة إيمان وتوليد الطاقة الدافعة للقيام بأعمال البر بسهولة ويسر، وهذا يستدعي منا الاسترسال مع القراءة، والسماح للآيات أن تنساب داخلنا، ويتصاعد تأثيرها على المشاعر شيئا فشيئا حتى تثيرها وتؤججها فيؤدي ذلك إلى زيادة الإيمان، ودخول النور إلى القلب.
فإن قلت: فماذا نفعل إذن لكي يتم فهم الآيات وما تتضمنه من كلمات لا نعرف معناها، وفي نفس الوقت الاسترسال معها؟!
الحل هو أن نقرأ الآيات ونفهم منها المعنى الإجمالي الذي تدل عليه، ولا نقف عند كل كلمة، فإننا لا نبحث عن معاني تلك الكلمات بل نأخذ المعنى الإجمالي من السياق. ولقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الطريقة بقوله: " إن القرآن لم ينزل يُكذِّب بعضه بعضا، بل يُصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم فردوه إلى عالِمه ".
فلو قرأنا عشر آيات مثلا وفهمنا ما يدل عليه نصفها، فهذا يكفينا، وبمرور الوقت ستزداد مساحة ما نعرفه لأن القرآن كما نعلم يُفسر بعضه بعضا.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: عن للقرآن منار كمنار الطريق، فما عرفتم منه فتمسكوا به، وما يشبه عليكم - أو قال: شُبّه عليكم - فكلوه إلى عالمه.