ومع التعريف بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته يعرف القرآن قارئه بعالم الغيب، ويثبت له بالأدلة العقلية قضية البعث والحساب والجزاء: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس/78 - 80].
والقرآن يجيب عن التساؤلات الحائرة في ذهن الإنسان، ويؤصل لديه التصورات الصحيحة لكل ما يتعامل معه من مفردات الحياة كنظرته للرزق، والمستقبل، والزوجة، والأولاد ... ، وكل ما يتعلق بأموره الدنيوية.
وبيَّن كذلك أصول الشريعة وقواعدها الكلية، وأنها ما شُرعت إلا رحمة للعباد: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء/107].
ومع هذا كله فالقرآن كذلك يرسم في ذهن قارئه شجرة الإسلام بجذورها وأصولها وفروعها، ويُعطي كل شيء فيها حجمه الذي يتناسب مع أهميته ... فأعمال القلوب - على سبيل المثال - مقدمة في الأهمية على أعمال الجوارح، ويبين ذلك قوله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج/37].
وعندما نجد القرآن يُفرد مساحة كبيرة للإنفاق في سبيل الله فإن هذا معناه إعطاء الأمر أهمية تتناسب مع مكانته في القرآن، وهكذا.
فإذا تم الاقتناع بكل القضايا التي يقوم عليها التصور الإسلامي للحياة والكون، وعالم الغيب والشهادة، تأتي السمة الأخرى للقرآن وهي قدرته الفريدة في ترسيخ هذه الأفكار والتصورات وبناء اليقين الصحيح عنها في العقل الباطن من خلال عرضها بأساليب مختلفة: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الكهف/54].