وحشي، فقرر أنه لا بد من الرد على العنف بالعنف، ظناً منه أن المقاومة المسلحة ستقضي في النهاية على عنف العسكر، وتضطرهم - أو تضطر سادتهم - إلى تغيير الأسلوب. والآخر تيار الشيوخ الذين أنهكهم توالي الضربات، فاختاروا طريق المسالمة إلى أقصى حد ممكن، وقرروا الدخول في لعبة الديمقراطية؛ لكي لا يقال عنهم إنهم من أناصر العنف. وكلا التيارين كان سبباً في مزيد من الغبش حول قضية لا إله إلا الله.
وبصرف النظر عن المبررات التي يقدمها كل فريق لتبرير مسلكه، فنحن هنا نتحدث عن الآثار التي نجمت عن التعجل في الحركة منذ البدء، والتي أضافت معوقات جديدة إلى المعوقات القائمة، أكثر مما كانت عوناً للحركة لكي تتقدم إلى الأمام، وإن بدت في نظر أصحابها خطوات إيجابية مفيدة للحركة، ومقربة إلى الهدف المنشود.
إذا أخذنا في اعتبارنا أن وضع الدعوة الآن أقرب شيء إلى وضع الجماعة المسلمة في مكة، مع بعض الاختلاف، فإن اللجوء إلى العنف لا يخدم الدعوة، ويثير حولها من الغبش أكثر بكثير مما يوضح القضية ويبينها للناس، ولا ننسى أن بيان حقيقة القضية - قضية لا إله إلا الله - عنصر أساسي في الحركة كلها - سواء بالنسبة للقاعدة، أو بالنسبة للجماهير، وأنه لا يمكن إحراز تقدم حقيقي على مسار الدعوة، ما لم تتبلور هذه القضية تصوراً وسلوكاً في حس الناس.
وحين ندخل في معارك غير متكافئة مع السلطة، وقبل أن تحدد قضية ((الشرعية)) عند الناس، يحدث أمران معاً، كلاهما ضار بالحركة:
الأمر الأول: أن القضية تتحول - بعد فترة من الصراع تطول أو تقصر - إلى قضية ضارب ومضروب، وغالب ومغلوب، وتنسى أو تهمش القضية الأساسية التي يدور حولها الصراع كله: قضية من المعبود على الحقيقة: الله أم آلهة زائفة من دونه؟ وهي القضية التي تتضمن في أطوائها مجموعة من القضايا المنبثقة عنها، المترتبة عليها: قضية من المشرع: الله، أم البشر؟ ومن مقرر القيم؟ ومن مقرر المعايير؟ ومن واضع المنهج للناس؟ تلك القضايا التي هي - منذ وضع البشر أقدامهم