ولئن كان تعريف الناس بدقائق مفهوم لا إله إلا الله قد استغرق من جهد الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً غير قليل في غربة الإسلام الأولى، فإن الجهد الحقيقي الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم - في مكة خاصة- كان هو تربية المؤمنين الذين قبلوا الحق وآمنوا به، على مقتضيات لا إله إلا الله، مرحلة بعد مرحلة حتى استقاموا على الطريق، بدءاً بتربية القاعدة الصلبة الراسخة البنيان، ثم تربية سائر الناس.
واليوم- في غربة الإسلام الثانية- تواجه الدعوة ضرورة بذل الجهد في الأمرين معاً: التعريف والتربية.
فالتعريف بالإسلام لقوم يعرفون بعضه ويجهلون بعضه، ويظنون في الوقت ذاته أنهم يعرفونه كله، مشكلة تحتاج إلى جهد ليس بالقليل. أما التربية- بالنسبة للقاعدة على الأقل- فمشكلة تحتاج إلى جهد أكبر؛ لتعدد مجالات التربية المطلوبة من جهة، ولأن النفوس لا تتخلى عن مألوفاتها بسهولة، ولا تستجيب استجابة فورية لكل ما يطلب منها من تكاليف. فضلاً عن كون المطلوب ليس مجرد بناء نفوس مؤمنة، بل إعداد شخصيات فائقة التكوين، تصلح لحمل المهمة الضخمة التي تواجهها.
ومن المهم- إلى الدرجة القصوى- أن نعرف كيف ندعو الناس. فالأزمة التي يمر بها العالم الإسلامي اليوم أزمة حادة، ربما كانت أشد أزمة مرت به في التاريخ. وتجمع الأعداء لحرب الإسلام، بما لم يسبقه من قبل تجمع بهذا الحجم وبهذا الإصرار. وحاجة البشرية إلى الإسلام اليوم لا تقل عن حاجتها إليه يوم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما لم نسر في طريق الدعوة على خطى مستبصرة، مستمكنة في ذات الوقت، فقد لا نصل إلى ما نهدف إليه، وقد يذهب الكثير من جهدنا بغير طائل حقيقي.
ولقد كان موضوع الدعوة يشغل تفكيري منذ أمد ليس بالقصير، فيرد على خاطري سؤال ملح: كيف ندعو الناس؟ ما الأسلوب الصحيح للدعوة؟ خاصة وأنا أرى في مسيرة الدعوة- بين الحين والحين- ما يبدو أنه تقصير في بعض الجوانب، أو تعجل في بعض الجوانب، أو انحراف في بعض الجوانب. فأقول في نفسي: إنه