جانب، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها)) . قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن)) . قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت» (?) .

وكلنا ثقة أن البناء سيعود بإذن الله، وسيعود شامخاً كما كان، والمبشرات كلها تشير إلى جولة جديدة للإسلام، ممكنة في الأرض، على الرغم من كل الحرب التي تشنها الجاهلية في الأرض كلها على الإسلام. ولكنها مهمة شاقة في الغربة الثانية للإسلام: «بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ» (?) . مهمة تحتاج إلى شغل فائق وبصيرة نافذة.

ففي الغربة الأولى كان الإسلام معلوماً عند الناس في أصوله العامة على الأقل، وهي الإيمان بالله الواحد والإيمان بالوحي والنبوة والإيمان بالبعث، سواء في ذلك من دخل في الدين الجديد، ومن وقف يحاربه أشد الحرب، ويرصد طاقته كلها لمحاولة القضاء عليه، وإنما كان سبب الغربة قلة المؤمنين به، وضعفهم وهوانهم على الناس، وكثرة الرافضين له، وطغيانهم في الأرض.

قال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أخبرته خديجة رضي الله عنها بقصة الوحي: «ليتني أكون فيها جذعاً حين يخرجك قومك! قال: ((أومخرجي هم؟)) قال: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي!» (?) .

«وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى أي شيء تدعو الناس؟ قال: ((أدعوهم لـ لا إله إلا الله)) . قال: قال هذا أمر لا تتركه لك العرب!»

أما في الغربة الثانية فالأمر مختلف، وإن كانت الغربة غربة في جميع الأحوال.

الإسلام اليوم غريب على أهله، فضلاً عن غربته على باقية الناس، وحين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015