إن الإلحاد الذي تنشره الحضارة الغربية، والانحلال الخلقي الذي تنشره وسائل إعلامها، والخواء الروحي، والانغماس في المتاع الحسي إلى آخر المدى، وتزيين الحياة الدنيا، ونسيان الآخرة نسياناً كاملاً، والغفلة عن أن الله يحصى على البشر أعمالهم ويحاسبهم عليها، كل هذا لا يصنع حضارة حقيقية يكتب الله لها الاستمرار في الأرض، ولو أملى لأصحابها فترة من الزمان لحكمة يريدها.
ولسنا نحن الذين نقول ذلك إرضاءً لعواطفنا، أو تصديقاً لأحلامنا! فمن قبل سنوات قال برتراندرسل: ((لقد انتهت حضارة الرجل الأبيض، لأنه لم يعد لديه ما يعطيه)) .
ومن قبل قال ألكسيس كاريل: ((إن هذه الحضارة آيلة للانهيار)) .
وبالأمس شهدنا انهيار الشيوعية، وفي الوقت الحاضر تكتب الصحف الغربية - والأمريكية من بينها - تقول: هل بدأ انهيار أمريكا؟
ولسنا من السذاجة بحيث نعتقد أن ذلك سيتم غداً صباحاً! فما زال في هذه الحضارة الجاهلية من العوامل ما يمكن أن يمد لها فترة من الزمن بحسب السنن الربانية: عبقرية التنظيم، والجلد على العمل، والحرص على الإتقان، والقدرة على التخطيط. فضلاً عن كون البديل الحضاري الذي يؤدي ظهوره إلى سرعة انهيار تلك الحضارة لم يظهر بعد!
ولكن هذا كله لا يغير المصير، لأنه سنة من سنن الله!
* * *
أما اليهود فلهم شأن مختلف.
لقد كتب الله عليهم الذلة والمسكنة بما قدمت أيديهم، ولكنه جعل لذلك استثناء. أو استثناءات.
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ