عندئذ كانت الحركة ستمضي بطيئة الخطى، ولكن على منهج أصح! كانت القاعدة الصلبة ستتكون في بطء من رجال يختارون على مهل بعين فاحصة لا تختار إلا أصلح الخامات الموجودة، ثم يبذل في إعدادهم الجهد اللازم ليكونوا نواة صالحة للعمل، بالتربية الروحية، والتربية الخلقية، والتربية الفكرية، والتربية النفسية، والتربية بالعلم الشرعي الصحيح، في ظل المنهج الرباني العظيم: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} .
وكانت القاعدة ستتوسع، حين يأتي أوان التوسع، بعد إعداد القاعدة الصلبة، بجنود جندوا أنفسهم للدعوة على بصيرة بحقيقة القضية ومتطلباتها، ووعي صحيح بحالة الأمة وما لحقها من الأمراض، وتقدير سليم لطبيعة العمل في كل مرحلة من مراحل الحركة، وذلك قبل التوجه لعامة الجماهير لينظموا للدعوة وينضووا تحت لوائها.
وكان ((العمل السياسي)) بمعنى الاشتغال بالقضايا الوطنية والقضايا الاجتماعية وما شاكلها، سيتأخر بعض الوقت، ريثما يتم التمكين الصحيح للأساس الصحيح، المتمثل في العقيدة الصحيحة والتربية على مقتضياتها، في محيط الذين استجابوا للدعوة، وجندوا لها أنفسهم (بما يقابل مجتمع المدينة في جماعة الرسول صلى الله عليه وسلم) .
ثم كان سيحدث الصراع! وهو أمر لا مفر من حدوثه حسب السنن الربانية التي قدرها الله في حياة البشرية! وهو يبدأ دائماً من جانب الجاهلية حين تستشعر الخطر من مجود جماعة مؤمنة في الأرض، ولو كانت قليلة العدد، ولو كانت من جانبها لا ترغب في الدخول في الصراع: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} (الشعراء: 54-56) .
ولكن كان المتوقع أن يتأخر الصراع عن موعده الذي وقع فيه، بحيث يعطي فرصة أكبر لتربية القاعدة الصلبة، ثم تربية القاعدة الموسعة بالقدر المتاح من التربية، ثم إنه حين كان يقع على قوم كفوا أيديهم، ولم يعملوا شيئاً إلا أن يقولوا رَبُّنَا اللَّهُ، فإن هذا كان سيعجل في تنمية وعي ((الجماهير)) بحقيقة القضية، فلا تلتبس