الشحن العاطفي مطلوب في الدعوة. مطلوب أن يتحمس الناس لما يؤمنون به، ولا يكونوا كالخشب المسندة، لا تتحرك ولا تحدث حركة، فالدعوة لا تنتشر بأمثال هؤلاء ولو كانوا هم أنفسهم مستجيبين وملتزمين. ولكن الحماسة وحدها لا تؤدي إلى شيء، وقد تضر أكثر مما تنفع! فالحماسة كثيراً ما تكون على حساب الوعي، وعلى حساب العلم الصحيح، وعلى حساب الخبرة، وهنا تفقد كثيراً من مزاياها، وتنشأ عنها أضراراً كثيرة، خاصة إذا انقلبت إلى عصبية لشخص أو لجماعة أو لحزب أو لفكرة أو لمذهب، فإنها عندئذ تغلق على صاحبها منافذ المعرفة النافعة، وتبث فيه العناد واللدد في الخصومة، وتدفعه إلى المراء المذموم.
وكثير مما يجري في الساحة اليوم من تفرق وتشرذم وتخاصم وتنابذ منشؤه حماسة زائدة عن الحد، لشيء يعتقد صاحبه أنه الحق كل الحق، وأن ما عداه باطل كامل البطلان!
* * *
التوعية الفكرية من ألزم اللوازم للدعوة في كل وقت، وفي وقتنا الحاضر هذا أكثر من كل الأوقات، فالغبش الذي أحاط بالإسلام وحقائقه في نفوس الناس في الغربة الثانية للإسلام غبش كثيف شامل، يحتاج إلى توعية شاملة بحقائق الإسلام ومفاهيمه، بدءاً بمفهوم لا إله إلا الله، وتوعية مركزة بمقتضيات لا إله إلا الله، ونواقض لا إله إلا الله، ومقتضياتها، ونواقضها، وإن كانت التوعية مطلوبة بالنسبة لكل المفاهيم على السواء مفهوم العبادة، ومفهوم القضاء والقدر، ومفهوم الدنيا والآخرة، ومفهوم عمارة الأرض، ومفهوم التربية، ومفهوم الجهاد..
والتوعية مطلوبة كذلك لمعرفة واقع الأمة والأسباب التي أدت إليه، فبغير هذه المعرفة لا نستطيع وضع المنهج المناسب للدعوة، ولا وسائل العلاج، وكثير من أحوال الأمة لا يدركه كثير من الناس على حقيقته، وإن عرفوا عموماً أن الأمة منحرفة عن الصورة الصحيحة، وعزوا ذلك عموماً إلى البعد عن حقيقة الإسلام، ولكن مدى البعد يخفي على كثيرين، وخطورة الانحراف لا يقدرها حق قدرها كثيرون!