آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم - أن تبرز نقية شفافة واضحة، غير مختلطة بأي قضية أخرى على الإطلاق، فتنفذ إلى القلوب التي أراد الله لها الهداية صافية من كل غبش، فتتمكن من تلك القلوب، ويرسخ فيها الإيمان، كما تنفذ إلى القلوب التي لم يرد الله لها الهداية، صافية من كل غبش، فيكفر أصحابها كفراً لا شبهة فيه، كفراً غير مختلط لا بالدفاع عن النفس، ولا الدفاع عن المال، ولا الدفاع عن الأمن والاستقرار؛ إنما هو الرفض الصريح الواضح للا إله إلا الله. وذلك توطئة لقدر قادم من أقدار الله، هو سنة من السنن الجارية: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} (الأنفال: 42) .
هذا الوضوح الذي أتاحته للقضية ((كفوا أيديكم)) ، هو من مستلزمات الدعوة. فبغير استبانة سبيل المجرمين، على أساس ((لا إله إلا الله)) ، واستبانة سبيل المؤمنين في المقابل، على ذات الأساس، لا يمكن أن تتسع القاعدة بالقدر المعقول في الزمن المعقول، وتظل الدعوة تراوح مكانها، إن لم يحدث لها انتكاس بسبب من الأسباب.
وحين وضحت القضية على هذا النحو من خلال ((كفوا أيديكم)) ، جاء الأنصار!
وحين جاء الأنصار اتسعت القاعدة، وحدث تحول في التاريخ!
* * *
ولنا هنا وقفة عند هذه القضية.
من هم الأنصار؟
هل هم جماهير متحمسة، ألهب حماستها الإعجاب بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، والتعاطف مع هذه الفئة الفذة من البشر، الذين صبروا على الابتلاء، هذا الصبر الطويل الجميل، وثبتوا رغم الصعاب وشدة البلاء؟!
أم هم جنود جاءوا يعرضون جنديتهم على القائد، ويدخلون في صف المجاهدين؟