((الحضارة الأوروبية) هي المصدر، وهي المثال المطلوب استيعابه والصيرورة إليه. لم يعد هناك صدى في النفوس لقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 50) . بل صار وصف ((الحضارة)) الغربية بأنها جاهلية يعتبر كفراً في نظر المستعبدين للغرب، الذين أكل الغز الفكري قلوبهم وأصبح حجاب المرأة المسلمة هو السجن والظلام، وانطلاقها عارية في الطريق هو التقدم والتحرر، وأصبح الإلحاد والكفر والسخرية بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو عنوان ((حرية الفكر)) ، وأصبح الانسلاخ من الإسلام والانتماء إلى الغرب رتبة ونيشاناً يتباهى به العبيد.
ثم دخلت ((المذاهب الفكرية)) : الوطنية والقومية والعلمانية والاشتراكية والديمقراطية. إلخ. لتكون البديل الفكري من الإسلام من جهة، ولتمزق هذه الأمة مزقاً متفرقة من جهة أخرى، ليسهل على العدو التقامها وابتلاعها بعد أن تعذر عليه ازدرادها وهي موحدة تحت رباط الإسلام، حتى وإن لم تكن وحدة سياسية كاملة بالمعنى الصحيح.
حضيض لم تصل إليه الأمة الإسلامية في تاريخها كله، ولكنه منطقي مع غثاء السيل، لا يتوقع لها سواه.
* * *
هذا الواقع هو الذي واجهته - وتواجهه - الصحوة الإسلامية.
أما الصحوة ذاتها فهي قدر الله الغالب فوق كيد الأعداء كله، وتدبيرهم للقضاء على الإسلام: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 21) .
لم يكن أحد يتوقع الصحوة، لا من الأعداء ولا من المسلمين أنفسهم!
أما الأعداء فقد كانوا ينتظرون وفاة الرجل المريض، كما كانوا يسمون الخلافة العثمانية في آخر عهدها، لينقضوا على تركته، يمزقونها إرباً إرباً، ويقضون بذلك القضاء الأخير على الإسلام.