الفكري، والتخلف الاقتصادي، والتخلف الاجتماعي، والتخلف الأخلاقي. وكل أنواع التخلف التي تخطر على البال، لأن العمل المتدفق في كل هذه الميادين كان يستمد في فترة التمكين من ذلك المنبع الضخم: من العقيدة الصحيحة في الله واليوم الآخر.
فلما جف النبع في قلوب الناس - إلا من رحم ربك - لم يعد هناك ما يغذي العمل في النفوس: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (?) .
عندئذ تداعت الأمم على الأمة التي أصبحت كغثاء السيل.
جاء الأعداء المتربصون الذين قال الله فيهم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة: 120) . {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: 217) .
جاءوا وفق تخطيطهم أن يقضوا على هذا الدين قضاء كاملاً في هذه المرة، وليس مجرد أن يكسروا شوكته ويتغلبوا عليه.
وربما لم يكن هذا الهدف جديداً في ذاته، فقد كان هو الذي حرك هرقل في أول التاريخ لمحاولة وأد هذا الدين قبل أن يستفحل أمره. وكان هو الذي حرك الحروب الصليبية في عصور أوروبا الوسطى. وهو الذي يحركهم اليوم، ولكن ربما كان الجديد في الهجمة الصليبية المعاصرة - التي بدأت في الواقع بعد طرد المسلمين من الأندلس - أنهم جاءوا وهم أكثر اقتناعاً بإمكان تحقيق هدفهم هذه المرة، لما رأوه من الأمراض المتفشية في كيان الأمة، ولما استحدثوه من أسلحة الصراع، سواء منها الحربي أو السياسي أو الاقتصادي، وأخطرها جميعاً ما نسميه ((الغزو الفكري)) الذي يسعى إلى اقتلاع العقدية من القلوب، وهو ما نصحهم به لويس التاسع بعد خروجه من سجنه في المنصورة وعودته إلى قومه يقول لهم: إن أردتم التغلب على المسلمين فلا تعتمدوا على السلاح وحده، فقد رأيتم نتيجة الاعتماد على السلاح، ولكن قاتلوهم في عقيدتهم، فهي مكمن القوة فيهم،