كيف ندعو الناس (صفحة 151)

جاء على لسان الصحابة رضوان الله عليهم: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفنا للصلاة كما يصفنا للقتال» . وذلك إلى جانب الأمر بالخشوع والسكينة. والخشوع في الصلاة هو عنصرها الروحي الذي يوثق الصلة بين العبد وربه، والدعوة إليه أمر بديهي، ولكن النبي الملهم صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه لا بد من عنصر آخر في بناء الأمة، إلى جانب الصلة الوثيقة بالله، وهو النظام، والنظام عادة نفسية على المصلين يسوي الصف بيده، ولا يبدأ الصلاة حتى يستقيم الصف تماماً، إشعاراً منه صلى الله عليه وسلم بأهمية النظام.

ومن الواضح أن النظام جزء لا يتجزأ من هذا الدين، فالصلاة نظام وانضباط، سواء في تحديد الوقت أو انتظام الصف، أو في متابعة المصلين للإمام في الركوع والسجود والقيام، والصيام له نظام ومواقيت، والزكاة لها نظام ومواقيت، والحج له نظام ومواقيت فضلاً عن انتظام الصفوف في القتال.

وأما العفوية والارتجال فقد تكون من آفات البيئة، ولكن الإسلام قاومها وقومها، بلفت النظر إلى السنن الربانية التي لا تتبدل ولا تتحول، وبالدعوة إلى التدبر والتفكر والتثبت في الأمور كلها، ولفت النظر إلى مآلات الأعمال، وعدم الاكتفاء بالنظر في كون العمل مباحاً في ذاته أو غير مباح، فقد يكون الأمر من المباح بل من المستحب، ولكنه يمنع لما يترتب عليه من نتائج، كما أمر تعالى بعدم سب الأصنام حين ترتب عليه تجرؤ المشركين على سب الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 108) .

وكما امتنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل عبد الله بن أبي، المنافق البين النفاق، لكي لا يتحدث الناس بأن محمداً صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، وهم يومئذ إما قد دخلوا الإسلام ولم يرسخ إيمانهم بعد، وإما واقفون يترقبون ولما يسلموا، وانتشار هذه المقالة بينهم يومئذ يعطل الدعوة ويثبط المترددين!

وأما النفس القصير، وفتور الهمة بعد الحماس المشتعل، فقد يكون كذلك من آفات البيئة، ولكن الإسلام عالجه علاجاً رائعاً من كل أطرافه، فمن جهة وجه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015