كيف ندعو الناس (صفحة 138)

فإذا سأل سائل: ما الفرق إذن بينهم وبين القاعدة الصلبة التي تحدثنا عنها من قبل؟ نقول في إيجاز: عن القاعدة الصلبة هي التي تعد لتكون الركائز والدعائم، هي القادة، هي الموجهون، هي المربون، أما هؤلاء فهم المدعوون الذين استجابوا للدعوة، والتزموا بها، وانضووا تحت لوائها، فصاروا منها، يتحركون معها ويتحركون بها، ولا يقفون متفرجين، ينتظرون ليروا من الغالب ليتبعوه!

وإذا سأل سائل مرة أخرى: ما الفرق في منهج التربية، وفي الرعاية والعناية بين إعداد القاعدة الصلبة وإعداد من توسع بهم القاعدة في تلك المرحلة، نقول بإيجاز: إنه فرق في الدرجة لا في النوع. فالمعلم يوجه تعليمه للدارسين جميعاً من حيث المبدأ، ولكنه يخص المتفوقين بعناية خاصة، لأن استعدادهم أكبر، والمطلوب منهم أكثر، ولا يقبل منهم ما يقبله من الدارس العادي الذي يقف به استعداده عند مستوى معين، ولا يكلفه فوق طاقته، وإن كان النجاح مطلوباً من الجميع، كل بحسب درجته.

فإن قال قائل: هل هناك حدود فاصلة تميز هؤلاء عن هؤلاء؟ ألا يمكن أن يوجد في القاعدة الموسعة من تؤهله طاقاته واستعداداته أن يكون من القادة الموجهين، ويوجد في القاعدة الصلبة من تقعد به طاقاته واستعداداته عن القيام بتكاليفها؟ نقول: بلى! إن هذا يمكن أن يحدث، وعندئذ يرتفع - أو يجب أن يرتفع - صاحب المواهب إلى منزلة القادة الدعاة المربين، ويتخلف من تقعد به إمكاناته فيصبح مجرد عضو عادي، وتلك مسألة يقدرها المسئولون عن العمل باجتهادهم، وقد يخطئ الاجتهاد وقد يصيب. إنما المهم من حيث المبدأ أن بناء القاعدة الصلبة يجب أن يوجه إليه أقصى الجهد، وأن يحظى بأكبر قدر من الرعاية والاهتمام. فإقامة الدعائم الرئيسية يختلف ولا شك عن إقامة اللبنات التي يتكون منها البناء، وإن كان هذا وذاك مطلوبين لتشييد البناء، وتلك من بدائه العمل التي لا تحتاج إلى إيضاح.

إنما نريد أن نركز هنا على أمر له أهميته: أن توسعة القاعدة بالأعوان الملتزمين، الذين يعتبرون أنفسهم جنوداً للدعوة، يأتي بعد تكوين القاعدة الصلبة، لأن المتلقين بداهة يحتاجون إلى موجهين! فإذا دعوناهم وجاءوا، ونحن لم نعد الموجهين بعد، فمن الذين يوجههم؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015