ويكفينا في بيان أهميتها وفضلها ما جاء في حديث الملائكة السيارة التي تلتمس مواضع الذكر فإذا وجدت واحدًا منها بعثت برائدهم إلى الله تبارك وتعالى فيقولون: «ربنا أتينا على عباد من عبادك، يُعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويُصلُّون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، فيقول تبارك وتعالى: غشُّوهم رحمتي» (?).
وذكر النعم يكون بالعمل على إحصائها- قدر المستطاع - من خلال الجوانب المختلفة التي تم الحديث عنها:
(نعم سبق الفضل - نعم الهداية والعصمة- نعم العافية - نعم التسخير - نعم القيومية والحفظ - نعم الإمهال والستر- نعم اللطف والرحمة- ... ).
فمن خلال توجيه الفكر إلى جانب من هذه الجوانب يمكن للواحد منا أن يُعمل عقله في تذكر ما أنعم الله به عليه في هذا الجانب، حبذا لو قام بتسجيل هذه النعم كتابة حتى يسهل عليه الرجوع إليها في أي وقت شاءه وقراءتها وهذا من شأنه أن يستثير مشاعر الحب لله عز وجل داخله.
ومع قيام المرء بالتفكر في نعم الله عليه والاجتهاد في إحصائها مع نفسه، فعليه كذلك أن تكون له مجالس مع أهله وأصدقائه يتذاكرون فيها نعم الله عليهم.
ولقد كان الصحابة والسلف يجلسون مثل تلك المجالس التي تُذكرهم بفضل الله عليهم وتزيدهم حبًا له.
فعن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: «ما أجلسكم»؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟» قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: «أما إني لم أستحلفكم تُهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة» (?).
وجلس الفضيل بن عياض وسفيان بن عيينه ليلة إلى الصباح يتذاكرون النعم، فجعل سفيان يقول: أنعم الله علينا في كذا، أنعم الله علينا في كذا، أنعم الله علينا في كذا، فعل بنا كذا، فعل بنا كذا (?).
فلنجلس مثل هذه المجالس المباركة وبخاصة مع الأهل والأولاد لنزداد حبًا لله عز وجل، وحبذا لو كانت هذه المجالس بعد النعم الكبيرة التي تمر بالأسرة كنجاح وتفوق الأولاد، وصيام رمضان وقيامه، و ...
ونحن بهذه الطريقة نتعلم ونقتدي بالقرآن حيث كان يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النعم الإلهية الكبيرة ليذكّره وأصحابه بها، وبما أنعم الله عليهم من خلالها فيزدادوا له حبًا وشكرًا، فبعد بدر وما كان فيها من نصر مبين نزلت سورة الأنفال تُذكّر بنعم الله العظيمة التي صاحبت هذا النصر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ - وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ - إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 9 - 12].