ومع أهمية وضرورة التفكر في القرآن والكون والتعرف من خلالهما على الله الودود لإنشاء وترسيخ قاعدة المحبة، إلا أن هذا وحده لا يكفي لتمكين هذه المحبة من القلب، فلا بد - كما أسلفنا - من القيام بأعمال تثبَّت القواعد وترفع وتدعم البنيان.
تأمل معي قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}
[النساء: 66].
فالقيام بالأعمال الصالحة أمر لازم لتنمية الإيمان بالله الودود وتثبيته في القلب مع الأخذ في الاعتبار أنه كلما كان العمل الصالح له علاقة بهذا الموضوع كان تأثيره أشد وأشد من غيره.
وهناك أعمال صالحة لها ارتباط وثيق بموضوع المحبة علينا أن نكثر من القيام بها حتى تنمو شجرتها وتأتي بثمارها الطيبة.
ومن هذه الأعمال:
1 - ذكر النعم.
2 - رحلات الاعتبار.
3 - كثرة حمد الله باللسان.
4 - مناجاة الله بالنعم (خاصة في جوف الليل)
5 - تحبيب الناس في الله عز وجل.
6 - الإلحاح على الله بأن يرزقنا محبته.
وإليك أخي القارئ بعضًا من التفصيل حول هذه الأعمال:
من طبيعة الإنسان أن مشاعر الحب داخله تتوجه لمن يُعطيه ويُحسن إليه، وكلما ازداد العطاء ازداد الحب خاصة إذا ما كان العطاء بلا مقابل، وصدق من قال: الإنسان عبد الإحسان.
وتحكي لنا كتب السيرة عن أحد المشركين وهو صفوان بن أمية، وكيف كانت مشاعره تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه المشاعر التي كان يسيطر عليها البغض والكره، تبدلت تمامًا حتى صار رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليه بسبب عطائه المتواصل له من غنائم حنين والطائف.
فإن قلت: ولكننا لا نستشعر ذلك بشكل كافٍ تجاه الله عز وجل مع ما أسبغ علنيا من نعم لا تُعد ولا تُحصى.
نعم، نحن نعيش في هذه الحالة - حالة الجحود للرب المنعم الودود - لأننا غرقى في نعمه، وفي الوقت نفسه لا نسمح لعقولنا بتذكرها، ولا لأعيننا برؤيتها، لأننا قد ألفنا تواصلها علينا حتى نسيناها.
لقد انشغلنا بجمع النعم، ولم نلتفت إلى من أنعم بها علينا فخفتت مشاعر الحب تجاهه سبحانه.
من هنا نقول: إن أهم عمل صالح يورث المحبة وينميها هو ذكر النعم وربطها بالمنعم {فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69].
قال صلى الله عليه وسلم: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة ..... الحديث (?).
الأمر اللافت للانتباه أن هناك العديد من الآيات القرآنية التي تحثنا على القيام بهذا العمل العظيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 3] {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198].
إن التفكر في النعم التي تحيط بنا من كل جانب وربطها بالمنعم له دور كبير في استثارة العقل، وتأجيج مشاعر الامتنان لله عز وجل ومن ثم الخروج من حالة الغفلة إلى اليقظة والانتباه، لذلك كان ذكر النعم من أفضل العبادات.
وفي هذا المعنى يقول أبو سليمان الواسطي: ذكر النعم يُورث الحب لله عز وجل.
ويقول الجنيد: إن الرضا يُنال بالتفويض، والتفويض يُنال بالمحبة، والمحبة تنال باشتغال القلب بالذكر في نعم الله عز وجل (?).
ويؤكد عمر بن عبد العزيز على أهمية هذه العبادة فيقول: التفكر في نعم الله أفضل العبادة (?).