تخيل أنك في هذا الزمان أصبت بضعف في النظر ماذا كنت ستفعل؟ أتدري حجم الصعوبات التي كنت ستواجهها بنظرك الضعيف؟

تخيل أماكن قضاء الحاجة التي كانت تبعد عن مساكن الناس .. وتخيل حجم الجهد والوقت والمخاطر التي تواجه من يريد قضاء حاجته بخاصة في ليالي الشتاء الباردة والأجواء المتقلبة.

تخيل نفسك تريد السفر إلى مكة أو المدينة .. كم من الأيام كنت ستقضيها على ظهر بعيرك لتصل إلى مقصودك؟! تخيل .. تخيل.

سبق فضل المكان

هذا بالنسبة لنعم سبق الفضل في الزمان، ولكن هب أنك قد ولدت في هذا الزمان بالفعل، ولكن في مكان آخر غيرالذي تحيا فيه الآن، تخيل أنك وُلدت في أدغال أفريقيا، أو في الإسكيمو، أو في أماكن الفيضانات أو الزلازل، أو الأعاصير، أو البراكين.

تخيل أنك قد ولدت في أماكن الفتن والاضطهاد للمسلمين كتركستان وكشمير والفلبين وبورما .. ماذا عساك أن تفعل؟!

إن هؤلاء المضطهدين شاء الله عز وجل لهم أن يكونوا في هذه الأماكن ليؤدوا امتحان عبوديتهم لله بخاصة في مادة الصبر، وجزاؤهم عظيم إذا اجتازوا هذا الامتحان {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] ولكنه بلا شك امتحان قاسٍ عصمك الله منه.

الوالدان

تخيل أنك ولدت في هذا الزمان، ولكن لأبوين نصرانيين أو يهوديين أو بوذيين أو ملحدين أو شيوعيين أو هندوسيين .. ماذا كنت ستفعل؟!

ماذا كنت ستفعل عندما ترى أبويك يسجدان للبقرة، أو للصليب؟! أكنت ستُعمل عقلك وتستنفر سليم فطرتك كما أمرك الله، وكما حدث من القليل منهم، أم كنت ستسير على خطى الأغلبية؟!

امتحان رهيب عصمك الله منه، بأن خلقك لأبوين مسلمين .. أليس كذلك؟!

ثم تخيل أنك كما أنت وُلدت في هذا الزمان والمكان والديانة ولكنك وجدت أباك يعمل في مهنة مخلة بالشرف .. أو وجدته جبارًا من الجبابرة؟!

تخيل أنك وُلدت في بيئة فجور أو أسرة مترفة .. ماذا كنت ستفعل؟!

إنها امتحانات صعبة عصمك الله منها دون سبب منك أو اجتهاد.

اللسان العربي

ولكن هب أنك قد خُلقت من أبوين مسلمين لكنهما يتحدثان غير العربية كاللغة الفارسية أو الأردية أو الهندية أو الصينية أو الإنجليزية .. ماذا كنت ستفعل لكي تفهم القرآن وتتأثر بآياته وهو أمر واجب عليك وليس اختياريًا؟!

نعم، هؤلاء عليهم تعلم العربية ليفهموا القرآن ويتأثروا به، ولكن ألا ترى في ذلك عظيم فضل الله عليك أن أوجدك في بيئة تتحدث العربية، فلا تحتاج إلى جهد عظيم لكي تفهم كتابه وسنة نبيه؟! (?).

سبق الفضل في العافية:

تفكر ثم تفكر في مدى حب ربك لك، وسبق فضله عليك قبل أن تولد وذلك فيما سبق من جوانب، ثم تفكر في جانب عظيم من جوانب سبق الفضل الإلهي لك, ألا وهو سبق الفضل في العافية.

فلقد قدَّر الله عز وجل أن يولد عدد من الناس وبهم عيوب خلقية في القلب، أو قصور في المخ، أو خلل في الأطراف كامتحان لهم من ناحية، ولإظهار نعمته على المعافين من ناحية أخرى، ومع ذلك, لم تكن أنت - بفضل الله - منهم.

بلا شك أن هذا النقص الذي ابتُلى به هؤلاء يحتاج منهم إلى صبر واحتساب لينجحوا في اختبارهم، ولكن ألا ترى عظيم فضل ربك عليك أن اختارك فألبسك ثوب العافية ترفل فيه؟!

كلمة لا بد منها:

ليس معنى وجود نقص عند إنسان في أحد الأمور التي ذكرت أو غيرها دليل على عدم حب الله عز وجل له، بل هو عين الحب ولكن من جانب آخر، ولنعلم جميعًا أن الدنيا ليست دارًا للجزاء والنعيم كي يظن البعض هذا الظن، ولو يدري أهل العافية ما أعده الله لأهل البلاء الصابرين في الآخرة لتمنوا أنهم كانوا مثلهم.

إن النقص والبلاء الذي يصيب المرء ليس إهانة بل امتحان على صاحبه أن يجتازه، وكذلك فإن العطاء والفضل ليس كرامة بل امتحان أيضًا، فإن ظن المرء أن العطاء تفضيل ذاتي لشخصه دون مقابل فإن هذا العطاء يصبح وبالا عليه كما حدث مع فرعون وقارون وصاحب الجنتين.

والحقيقة التي لا مرية فيها أن الله عز وجل يحب عباده جميعًا ويريد لهم الخير، فإن اختص أحدًا منهم بشيء فهو سبحانه يريد من وراء ذلك أن يشكره عليها، وأن ينفع عباده به كما جاء في الحديث: «إن لله تعالى أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم» (?).

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015