هذا التكريم يشمل جميع بني آدم دون تفرقة بين لون أو جنس أو عرق {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].
إن النفخة العلوية التي يحملها الإنسان تجعله دومًا موضعًا للتكريم ولو كان من الكافرين.
وإليك - أخي القارئ- هذا الخبر الصحيح الذي يؤكد لنا جميعًا هذا المعنى:
كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد رضي الله عنهما قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: «إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسًا؟» (?).
وليس هذا فحسب بل إننا نجد الشريعة الإسلامية توجه المسلمين إلى حُسن التعامل مع جميع الناس في السلم والحرب، ومن ذلك النهي عن التمثيل بالقتلى في الحرب، وكان عليه الصلاة والسلام إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية يوصيه، فكان مما يقول له: «لا تمثلون» (?) وفي الحديث القدسي: «لا تمثلوا بعبادي» (?).
وكذلك حصر القتل فيمن يقاتل دون غيره {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]. فلا قتل لامرأة أو صبي أو أجير أو راهب في صومعته، فإن انتهت الحرب وكان هناك أسرى فلا إهانة ولا إذلال بل احترام لإنسانيتهم {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
وعندما أسر المسلمون من المشركين يوم بدر، كانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بهم كبيرة، فقال لأصحابه: «استوصوا بهم خيرًا» (?).
لقد اختص الله عز وجل الإنسان لنفسه من بين سائر مخلوقات كما جاء في الأثر: يا ابن آدم خلقت كل شيء لك وخلقتك لنفسي، فلا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له.
اختصه ليقوم بمهمة عظيمة ألا وهي عبادته سبحانه بالغيب في ظل تمتعه بخاصية حرية الاختيار، ووجود نفس أمارة بالسوء، وشيطان يوسوس، ودنيا تتزين.
وإن كانت العلاقة بين الأب وأبنائه تتسم بالحب والحنان والرحمة والحرص الدائم على مصلحتهم، فإن علاقته سبحانه بالبشر أسمى وأسمى, إنها علاقة الرب بعباده الذين أوجدهم من العدم ونفخ فيهم من روحه.
علاقة الخالق بالمخلوق الذي اختصه لنفسه فهو يحبه ويريد له الخير، والنجاح في مهمته العظيمة.
ومن عجب أن الملائكة الأطهار الكرام لما علمت بمنزلة البشر عند الله جعلت جزءًا من عبادتها دعاءها لهم وهي بذلك تريد التقرب إليه سبحانه وتطمع في نيل رضاه {وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5].