العلاقة بين الله عز وجل وبين عباده من بنى آدم تختلف عن علاقته سبحانه بجميع خلقه، وكيف لا وما من مخلوق من البشر إلاَّ وفيه نفخة علوية من روح الله {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ - فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71، 72].
نعم، هذه النفخة ليست جزءًا من ذات الله - كما ادعت النصارى - بل هي من ملكه (?) وأمره، اختص بها سبحانه الإنسان وميزه عن سائر مخلوقاته، وجعلها مرحلة هامة وأساسية ومميزة في خلقه {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر:29] بينما لم يُذكر ذلك في حق أي مخلوق آخر.
ومما يؤكد هذا الأمر قوله تعالى لإبليس {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75].
وفي هذا المعنى يقول سيد قطب: ولأن الله عز وجل خالق كل شيء، فلا بد أن تكون هناك خصوصية في خلق هذا الإنسان تستحق هذا التنويه، هي خصوصية العناية الربانية بهذا الكائن، وإيداعه نفخة من روح الله دلالة على هذه العناية (?).
ويقول رحمه الله: وما كان هذا الكائن الصغير الحجم، المحدود القوة، القصير الأجل، المحدود المعرفة، ما كان له أن ينال شيئًا من هذه الكرامة لولا تلك اللطيفة الربانية الكريمة, وإلا فماذا يبلغ هذا الإنسان لتسجد له ملائكة الرحمن، إلا بهذا السر اللطيف العظيم؟! (?).
وليس أدل على خصوصية العناية الربانية بالإنسان من هذا التكريم الذي شمله منذ بدء خلق أبيه آدم وسجود الملائكة له {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ} [البقرة: 34]. مرورًا بالصورة الحسنة التي خُلق عليها {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4].
وتميزه بنعمة العقل الذي يُعد بمثابة وعاء للعلم والإدراك والتمييز بين الخير والشر والنافع والضار.
قال الحسن البصري: لما خلق الله عز وجل العقل، قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، وقال: ما خلقت خلقًا هو أحب إلىَّ منك، إني بك أُعبد، وبك أُعرف، وبك آخذ، وبك أُعطي (?).
ومن مظاهر هذا التكريم كذلك: تسخير الكون كله لخدمته {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} [الجاثية: 13].