ومن الأمثلة العظيمة التي تبين تلك الشفقة على العصاة ما فعله مؤمن آل فرعون مع قومه, تأمل أقواله الذي جاء ذكرها في سورة غافر {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:38]. {يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ} [غافر:30] , {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر:41]. {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} [غافر:42].

هذه الثمرة العظيمة من ثمار المحبة من شأنها أن تجعلنا نقوم بتعديل خطابنا الدعوي، فنستوعب الجميع ونبشرهم ونطمئنهم تجاه ربهم قبل تخويفهم وترهيبهم.

ثامنًا: الغيرة لله

عندما يستبد حب الله في قلب العبد فإن هذا من شأنه أن يجعله يغار لمولاه، وعلى محارمه أن تنتهك، وحدوده أن تُتجاوز، وأوامره أن تخالف.

فمع شفقته على العصاة، إلاّ أن هذا لا يمنعه من بغضه لتصرفاتهم التي تغضب ربه، ولو كانت من أقرب الناس إليه {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].

لقد علم المحب الصادق أن محبوبه الأعظم يحب عباده، ويحب من يحببهم فيه، ويعيدهم إليه، وفي نفس الوقت فإنه سبحانه لا يحب تصرفاتهم المخالفة لأوامره، المنافية لصفة العبودية التي ينبغي أن يتصفوا بها {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] فهو لا يحب الكفر، ولا يحب الظلم، ولا الطغيان، ولا الكبر، ولا الفسق، لذلك ترى المحب لله يجمع بين الأمرين: الشفقة على الخلق، وحب الخير لهم من جانب، وبغضه لتصرفاتهم التي لا ترضى مولاه، ونهيهم عنها، بل ومحاربتهم عليها إن تطلب الأمر من جانب آخر.

ومن لوازم هذه الغيرة: الغيرة على رسوله، وكيف لا وهو أحب الخلق إلى الله, فلو كانت المحبة لله صادقة لتبعتها ولازمتها محبة رسوله والغيرة عليه، ولقد تمثل هذا الأمر في الصحابة جيدًا، ولعل ما حدث لخبيب بن عدي ما يؤكد ذلك، فقد تم أسره في يوم الرجيع، وصُلب لكي يُقتل، وقبل قتله قال المشركون له: أتحب أن محمدًا مكانك؟ فقال: لا والله العظيم. ما أحب أن يفديني بشوكة يُشاكها في قدمه (?).

تاسعًا: الغنى بالله

ومع كل الثمار السابقة تأتي أهم ثمرة للمحبة ألا وهي الاستغناء بالله سبحانه وتعالى، والاكتفاء به {وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73].

فينعكس ذلك على تعاملات العبد مع الأحداث التي تمر به، فإن ادلهمت الخطوب استشعر معية الله له {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، وإن تشابكت أمامه الأمور تذكر فردد فى نفسه {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].

شعاره الدائم {وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً} [النساء: 132].

يتغنى بمثل قول الشاعر:

فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر ... وبين وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين ... وكل الذي فوق التراب تراب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015