أراد: أن الكذب عليه يؤدي إلى هدم قواعد الإسلام , وإفساد الشريعة والأحكام وليس كذلك: الكذب له، فإنه للحث على اتباع شريعته , واقتفاء أثره في طريقته , قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: الكلام وسيلة إلى المقاصد , فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعًا , فالكذب حرام , فإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق: فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا , وواجب إن كان ذلك المقصود واجبًا , فهذا ضابطه (?) انتهى.
ولا نملك هنا إلا أن نحوقل ونسترجع!
ثم إن المرء ليعجب غاية العجب أن يصدر مثل هذا الكلام من رجل حشر نفسه في زمرة المفسرين لكتاب الله , ووصفه بعضهم بأنه فقيه وأصولي! وأي فقه عند هذا الذي يجهل الأوليات عند العلماء المحققين؟!
جهل هذا الشيخ ذو النزعة الصوفية أن الله أكمل لنا الدين , وأتم به علينا النعمة , فلم نعد في حاجة إلى من يكمله لنا , باختراع أحاديث من عنده , كأنما يستدرك على الله تعالى , أو يمتن على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , يقول له: أنا أكذب لك , لأتمم لك دينك الناقص , وأسد ما فيه من فجوات , بما أضعه من أحاديث!
أما كلام الإمام بن عبد السلام , ففي موضوع غير هذا , مما رخصت فيه الأحاديث مثل الكذب في الحرب , وإصلاح ذات البين , وإنقاذ بريء فار من ظالم يطارده , ونحو ذلك مما هو مذكور في مظانه.
على أن كلام ابن عبد السلام نفسه يرد على دعوى هذا المدعي , فقد ذكر أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا , فالكذب حرام. وهنا تقول: إن كل الفضائل التي ترغب فيها الأحاديث المكذوبة , وكل الرذائل التي ترهب منها .. يمكن التوصل إليها بالأحاديث الصحاح والحسان من غير شك , فالكذب إذن حرام بيقين , بل من أكبر الكبائر.