وهذا التساهل ليس على إطلاقه , فله مجاله , وله شروطه , ولكن الكثيرين أساءوا استخدامه , فشردوا به عن سواء السبيل , ولوثوا به نبع الإسلام المصفى.

وكتب المواعظ والرقائق والتصوف حافلة بهذا النوع من الأحاديث.

وكذلك كثير من كتب التفسير , حتى إن منها من التزم إخراج الحديث الموضوع الشهير في فضل سور القرآن , وقد كشف الأئمة الحفاظ عواره , وبينوا بطلانه , ولم يعد هناك عذر لمن يرويه , ويسود به صفحات كتابه!

ولكن أمثال الزمخشري والثعالبي والبيضاوي وإسماعيل حقي وغيرهم , أصروا على إخراج الحديث المكذوب.

بل أكثر من ذلك وجدنا مفسرًا مثل صاحب " روح البيان " يبرر ذكر الحديث ويقف موقف المحامي عنه , حتى إنه ليقول في جراءة يحسد عليها: في آخر تفسير سورة التوبة: «واعلم أن الأحاديث التي ذكرها صاحب " الكشاف " في أواخر هذه السورة , وتبعه القاضي البيضاوي والمولى أبو السعود - رَحِمَهُمْ اللهُ - من أجلة المفسرين: قد أكثر العلماء القول فيها , فمن مثبت , ومن ناف , بناء على زعم وصفها كالإمام الصغاني وغيره».

«واللائح لهذا العبد الفقير سامحه الله القدير: أن تلك الأحاديث لا تخلو إما أن تكون: صحيحة قوية , أو سقيمة ضعيفة , أو مكذوبة موضوعة.

فإن كانت صحيحة قوية فلا كلام فيها , وإن كانت ضعيفة الأسانيد , فقد اتفق المحدثون على أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في الترغيب والترهيب فقط , كما في " الأذكار " للنووي , و" إنسان العيون " لعلي بن برهان الدين الحلبي , و" الأسرار المحمدية " لابن فخر الدين الرومي وغيرها.

وإن كانت موضوعة: فقد ذكر الحاكم وغيره «أَنَّ رَجُلاً مِنَ الزُّهَّادِ اِنْتُدِبَ فِي وَضْعِ الأَحَادِيثِ فِي فَضْلِ القُرْآنِ وَسُوَرِهِ , فَقِيلَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ زَهَدُوا فِي القُرْآنِ , فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُرَغِّبَهُمْ فِيهِ , فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:"مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " فَقَالَ: مَا كَذَبْتُ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا كَذَبْتُ لَهُ "!!».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015