رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ غَرَسَ غَرْسًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ آدَمِيٌّ، وَلاَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةً» (?).
إذن ما تأويل حديث أبي أمامة الذي رواه البخاري؟
إن الإمام البخاري ذكره في (بَابُ مَا يُحَذَّرُ مِنْ عَوَاقِبِ الاِشْتِغَالِ بِآلَةِ الزَّرْعِ، أَوْ مُجَاوَزَةِ الحَدِّ الذِي أُمِرَ بِهِ).
قال الحافظ في " الفتح ": «وَقَدْ أَشَارَ البُخَارِيُّ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى الجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَالحَدِيثِ المَاضِي فِي فَضْلِ الزَّرْعِ، وَالْغَرْسِ، وَذَلِكَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا وَرَدَ مِنَ الذَّمِّ عَلَى عَاقِبَةِ ذَلِكَ، وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ فَضَيَّعَ بِسَبَبِهِ مَا أُمِرَ بِحِفْظِهِ (كأن يضيع أمر الجهدا الواجب) وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُضَيِّعْ إِلاَّ أَنَّهُ جَاوَزَ الحَدَّ فِيهِ».
وبعض الشراح قال: «هَذَا لِمَنْ يَقْرُبُ مِنَ العَدُوِّ، فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِالحَرْثِ لاَ يَشْتَغِلُ بِالفُرُوسِيَّةِ، فَيَتَأَسَّدُ عَلَيْهِ العَدُوُّ فَحَقُّهُمْ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِالفُرُوسِيَّةِ وَعَلَى غَيْرِهِمْ إِمْدَادُهُمْ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ» (?).
ومما يلقى شعاعًا على المراد من الحديث ما رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر مرفوعًا: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ (?)، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ، لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» (?).
فهذا الحديث يكشف عن أسباب الذل الذي يسلط على الأمة , جزاءً وفاقًا لتفريطها في أمر دينها , وإهمالها ما يجب عليها رعايته من أمر دنياها.