Q هناك مشكلة اختيار مدارس لغات أو مدارس لغة عربية للأطفال؟
صلى الله عليه وسلم إن ما ذكره السائل أمر مشاهد، فإن مدارس اللغات مستواها التعليمي أعلى من المدارس العربية في الجملة، صحيح هناك استثناءات، لكن في الجملة هذا هو المشاهد.
وقد ناقشت هذه القضية قبل ذلك في مجموعة (فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى) وذكرنا أن أعداء الإسلام عندما أرادوا الكيد لهذا الدين لم يغلقوا مدارس الأزهر في أوائل القرن الماضي، ولكنهم أنشئوا إلى جوارها المدارس العلمانية، وفتحوا أبواب العمل لطلاب المدارس العلمانية، فبالتالي مع مرور الوقت بدأت الناس تتجه بأبنائها إلى المدارس العلمانية سعياً وراء فتح فرص عمل للأبناء عندما يكبرون، وأصبح الذي يدخل الأزهر هو الذي لا يستطيع أن يدخل المدارس الأخرى، ومع مرور الوقت تدنى المستوى التعليمي في الأزهر إلى درجات لم يكن عليها قبل ذلك مطلقاً، وقديماً في تاريخ الأمة العظيم كان عظماء الأمة هم الذين يهتمون بالعلوم الشرعية ويدرسونها ويتفوقون فيها، وكان النبوغ في هذه المجالات وسيلة لرفعة الإنسان وسط القوم أو وسط المجتمع الذي يعيش فيه، لكن الإنجليز أنشئوا مدارس علمانية وسهلوا فرص العمل لطلابها، وفوق ذلك أيضاً بدءوا يعطون رواتب أعلى لخريجي هذه المدارس أعلى بكثير من رواتب خريجي الأزهر.
والمدارس العلمانية كانت تتحدث باللغة العربية في الجملة، لكن الآن صارت هناك مدارس لا تتحدث إلا باللغة الأجنبية فقط، وأيضاً فرص العمل مفتوحة بصورة أكبر لمن يحصل على الشهادة من مدرسة أجنبية، وهذا يدفع النوابغ من أبناء المسلمين إلى الالتحاق بالمدارس الأجنبية، ويخرج في آخر المطاف وهو لا يستطيع أن يكتب ويقرأ اللغة العربية إلا بصعوبة بالغة وبضعف شديد، وبالتالي يصعب عليه جداً أن يقرأ القرآن الكريم أو السنة المطهرة، ولو قرأ لا يستطيع أن يفقه بسهولة، فتكون النتيجة تردياً مستمراً للتفقه في القرآن والسنة وفي علوم الدين بصفة عامة، وأخطر من ذلك أن الفرد منا قد يقول: أنا ممكن أن أُحْضر لابني مدرساً يعلمه اللغة العربية في البيت حتى يرتفع مستواه، نقول حتى لو ارتفع مستواه في اللغة العربية واستطاع أن يقرأ اللغة العربية بصورة جيدة، ويقرأ القرآن والسنة بصورة طيبة، فإنه قد يدخل في شعوره الداخلي دون أن يريد هو وآباؤه ذلك تعظيمُ اللغة الغربية على اللغة العربية، وأنها مصدر النجاة في هذه الدنيا، وأنه لا فلاح له ولا وصول إلا بهذه اللغة، وليس معنى هذا الكلام أننا ضد تعلم اللغات الأجنبية.
يقول البعض: هل أنت مع تعليم الأطفال بعض المصطلحات الغربية وهم قبل سن الدخول إلى المدرسة؟ والسؤال الذي يأتي بعد ذلك: هل يا ترى يتعلم الطالب اللغات الأجنبية مع اللغة العربية أو لا يتعلمها؟ نقول: نحن مع تعلم اللغات الأجنبية مطلقًا، على قدر ما تستطيع، حاول أن تتعلم لغة أخرى إلى جوار اللغة العربية، لكن بشرط أن تكون اللغة العربية هي اللغة الأساس، هي اللغة الأولى لك، حتى لو كانت اللغة العربية ليس لها تواجد في العالم الآن إلا في البلاد العربية؛ لكن هذه بداية، ونحن نريد نهضة شاملة في العالم الإسلامي، وإذا حدثت هذه النهضة الشاملة في علوم مختلفة وكانت اللغة العربية هي الأساس سيكون هذا مجال انتشار للغة العربية في العالم، وأذكركم أن من كان يريد أن يتعلم الطب أو الهندسة أو الفلك أو الكيمياء من أوروبا أو من الهند في وقت عزة الدولة الإسلامية كان عليه أن يتعلم اللغة العربية، كذلك يتعلم اللغة العربية، حتى يدرس في جامعات المسلمين: جامعة قرطبة، جامعة طليطلة، جامعة أشبيلية، جامعة بغداد، جامعة القاهرة، يعني: كانت مدينة القاهرة من مدن العلم المشهورة في ذلك الزمن.
وسنتحدث إن شاء الله في محاضرة قادمة عن: صور رائعة من الحضارة الإسلامية، ونذكر بعض الأمثلة من الجامعات والمكتبات الإسلامية العملاقة التي كانت كلها باللغة العربية، والطلبة فيها من بلاد مختلفة في العالم مسلمون وغير مسلمين يتحدثون باللغة العربية، لكن تحقير اللغة العربية والتهوين من شأنها عند الطفل وإشعاره أنه لا نجاة له إلا بتعلم اللغة الأجنبية وجعلها هي اللغة الأساسية الأم، بل وقد يفخر بعض الآباء والأمهات بأن أبناءهم لا يستطيعون الكلام بالعربية، وأن معظم كلامه باللغة الإنجليزية فهو لا يستطيع أن يعبر عن نفسه إلا بلغة أجنبية، فهذا شيء خطير جداً يحتاج إلى مراجعة.
هناك ناس تعاني من إدخال أولادها مدارس مستواها إلى حد ما أضعف من مستوى المدارس الأجنبية، نقول: إن طريق العلم لا بد فيه من معاناة سواء كانت معاناة مادية أو معاناة فكرية، فأي نوع من أنواع المعاناة متوقع، لكن لا بد من بذل الجهد، فإننا عندما نراجع تاريخ الدول التي قامت في هذه الأيام في عصرنا هذا، نجد أنها اهتمت اهتماماً قوياً جداً باللغة الأم، حتى وإن كانت غير منتشرة في العالم، فمثلاً: التعليم الأساسي في اليابان كله باللغة اليابانية، وكذلك التعليم الأساسي في ألمانيا كله باللغة الألمانية، وقد تجد بع