إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فما زلنا في حديثنا حول القضية الهامة التي تحدثنا عنها في عدة محاضرات، وهي قضية العلم ومكانته في الشرع الإسلامي، وقضية أمة الإسلام بين علوم الشرع وعلوم الحياة، وكيف يكون الطريق لأن نكون علماء؟ وكيف السبيل إلى أن نتخطى العقبات والعراقيل التي تمر بها الأمة الآن في طريق العلم؟ وذكرنا أن أول طريق العلم: هو تقدير قيمة هذا الذي تجاهد من أجله وهو العلم، وذكرنا أدلة كثيرة على هذا الأمر.
والأمر الثاني: أن تبذل الجهد كل الجهد، ونكرر للمرة العاشرة وأكثر مقولة يحيى بن أبي كثير رحمه الله: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
اليوم بإذن الله سنتكلم عن شيء من أهم الأشياء لكي نكون من العلماء، ولا يستقيم أبداً أن نكون من العلماء بغيره، بل لا تكون نجاة بغيره، لكن قبل الحديث عنه كعادتنا نتحدث عن بعض الأسئلة، والحقيقة هي أسئلة في غاية الأهمية.
قبل أن نخوض في الأسئلة هذه الدروس هي محاولة للعصف الذهني، بمعنى إخراج كل ما عندنا في هذه القضية المهمة، وأنه ليس الغرض من وراء هذه المحاضرات هو حل كل مشاكل العالم الإسلامي في يوم وليلة، وليس الغرض أن نكون علماء غداً أو بعد غد، ومن الممكن أن نختلف مع بعضنا البعض في بعض الآراء التي ذُكِرت في هذه المحاضرات، وقد تكون هناك جوانب كثيرة أغفلت سواء عمداً أو عن غير عمد في هذه المحاضرات وهي من الأهمية بمكان؛ لأننا قدمنا الأهم في رأينا وتركنا غيره، وقد يكون الأهم غير ذلك.
المهم في كل ما نقوله أننا نضع هذه القضية في بؤرة الاهتمام، والحل قد لا يكون في هذه اللقاءات السريعة، لكن قد يكون حلها في ندوات متكررة على مدار عدة سنوات، وفي محاضرات ودورات تدريبية، يكون حلها في تغيير منهج حياتنا على مدار السنوات المقبلة، يكون حلها في إذكاء الحمية في قلوب علماء المسلمين، فيبدءون في توريث العلم لغيرهم، يكون غرضها حث طلبة العلم على طلب العلم.
عادة ما تكون الوسائل من أبسط الأشياء، يعني: قد نصل بأبسط الوسائل التقنية أو المسائل المادية إلى العلم المعين، لكن لابد في البداية أن يوضع الأمر في بؤرة الاهتمام، وهذا ما نحاول أن نبحثه، وسلكنا في ذلك عدة مسالك: منها: توضيح قيمة هذا الأمر في الشرع الإسلامي، وما قاله الله عز وجل في حق العلماء، وما قاله رسولنا صلى الله عليه وسلم في حق العلماء، وقدر العلماء عند أئمة المسلمين وعند الصالحين من أبناء هذه الأمة، ودور العلم في بناء الأمم، والأمم التي اتخذت العلم كيف وصلت وإلى أي شيء وصلت؟! وكيف تقود العالم الآن؟! يعني: إذا استوعبنا هذه الأمور وأحسسنا بقيمة القضية، إن شاء الله لو حرصت على الوصول ستفتح لك الأبواب، ونذكر بقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69].