أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.
استكمالاً لما كنا نتحدث عنه في محاضرة العلم وبناء الأمم ذكرنا أن هناك نوعين من العلوم: علوم شرعية كالفقه والحديث والعقيدة وغيرها من علوم الشرع، وعلوم حياتية كالطب والهندسة والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا وغيرها من أنواع العلوم الحياتية.
لا شك أن الذي يرصد حال الأمة الإسلامية في السنوات الأخيرة يجد أنه بفضل الله عز وجل أن هناك صحوة إسلامية ملموسة؛ فنحن نشاهد المساجد ممتلئة وخارج المساجد أيضاً ممتلئ، والصبر على الصلوات الطويلة وختم القرآن, وصلاة التهجد والعبادات العظيمة التي كانت قد فترت عقوداً طويلة من الزمان قبل الصحوة الإسلامية الأخيرة.
نرى بفضل الله الشباب المتحمس يقرأ ويتعلم ويدرس في كتاب الله عز وجل، وفي سنة حبيبنا صلى الله عليه وسلم، ويتفقه في الدين، بل منهم من يتخصص إلى جوار مهنته في هذه الأمور الشرعية، لا شك أن هذه صحوة تسعدنا، لكن لابد من الوقوف وقفة هامة جداً، هذه الوقفة الهامة هي مع العلوم الحياتية، ما حال أمتنا في العلوم الحياتية؟ ما حال أمتنا في علوم الطب والهندسة؟ لا شك أن أمتنا تعاني حالة من التردي في العلوم الحياتية، وليس هذا كلاماً عاطفياً، إنما هناك ظواهر ومشاهدات واستقراءات نريد أن نتحدث عنها اليوم، فأي مشكلة لها حل، وأول وسائل الحل أن تعرف الواقع، ليست هذه دعوة للإحباط ولا دعوة للتشاؤم؛ فعندما يأتي إلينا مريض يعالج من مرض كذا أو كذا لابد أن تعرف واقع المريض: هل عنده أمراض أخرى؟ عمره كم سنة؟ ما هي ظروفه؟ هل عمل عمليات قبل ذلك أم لا؟ أخذ أدوية أو لم يأخذ؟ إذاً نعرف واقع المريض حتى نصف له العلاج السليم.
فحديثنا اليوم سيكون بالأرقام والإحصائيات والتقارير الرسمية في بلادنا، وفي بلاد العالم العربي والإسلامي، وفي العالم، هذه الإحصائيات والأرقام قد تكون مؤلمة، لكنه ألم لابد منه، إذا أردت القيام فلابد من معرفة الواقع.
ذكرنا بالمحاضرة السابقة أن العلم أساس بناء الأمة، وأن أهم شيء في بناء الأمة العلم، فإن اختفى هذا العلم سقط البناء لا محالة، فلا أمل لأمتنا في قيام إلا بالعلم، لكن هناك فهم عند بعض المسلمين أو عند كثير من المسلمين الملتزمين أن هذا العلم هو العلم الشرعي فقط، فتهمل العلوم الحياتية ويهتم بالعلوم الشرعية.