قصة ابن عباس والفتى الأنصاري مع العلم

اجتهد الصحابة في تحصيل العلم بما لا يتسع المجال لذكره، من ذلك: أن حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمره أربع عشرة سنة، ما زال صغيراً، فكان معه واحد من الأنصار صاحبه، فقال له: عبد الله بن عباس: تعال نسمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير.

يعني: في هذا الوقت عندك فرصة لطلب العلم، فقد لا تجد المحاضر، أو المكان، أو نفقد نفسك، هناك عراقيل لا حصر لها، فالحق بسرعة، فـ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: يقول له: تعال بسرعة نسمع من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وهم كثير في هذا الوقت عما قريب سيموتون، أو يغادرون المدينة للجهاد وفتح البلدان، فقال له الفتى الأنصاري الصغير: عجباً لك يا ابن عباس! أتحسب أن الناس تحتاج لك ولعلمك، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون؟! يعني: فالصحابة كثير جداً أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وكل واحد منهم أمة، فهؤلاء موجودون في المدينة وأنت ذاهب لتتعلم، ماذا ستعمل؟ ستفتي وعمر بن الخطاب موجود، ستفتي وعثمان موجود رضي الله عنهم أجمعين، لا يوجد داعي لأن تتعب نفسك، واتجه هذا الفتى الأنصاري للعب، وعبد الله بن عباس لم يسمع كلامه.

فأصدقاء السوء يحذر منهم، قد يقول لك: تعالى نجلس، ويصرفك عن العلم.

إذاً: نحن نريد أن نأخذ القضايا بنوع من التجرد لله عز وجل، قدم لله عز وجل ما يسرك عند لقائه سبحانه وتعالى يوم القيامة، حتى تكون فخوراً بما قدمت يوم القيامة، فـ عبد الله بن عباس ترك الفتى الأنصاري وذهب واتجه للعلم، كان يذهب إلى بيوت علماء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم واحداً تلوى الآخر، يذهب فيجد أحد الصحابة نائماً وقت القيلولة فيتوسد رداءه على باب بيته هذا عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ينام على باب الصحابي الذي عنده علم حتى يخرج ويسأله، وفي رواية: فتسفي علي الريح من التراب ما تسفي.

كانت شوارع المدينة المنورة من الرمل، لم تكن الشوارع مرصوفة، كل هذا من أجل العلم.

وتمر الأيام وينظر الفتى الأنصاري عندما كبر إلى الشاب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو جالس والناس حوله بالمئات يستمعون لكلمته وينظرون إلى فتواه، رضي الله عنه وعن أبيه، فيقول كان هذا الفتى -يعني: عبد الله بن عباس - أعقل مني.

يعني: ذهب علي وقت طويل جداً لم أتعلم فيه.

من أجل هذا أقول لكم: من هذا الوقت نبدأ رحلتنا في العلم، لا من السنة التي ستأتي، أو الأسبوع القادم، لا.

فهذا شخص قبل الاختبار يريد عمل جدول للمذاكرة فيقول: أنا أريد أعمل الجدول من أول الأسبوع من أجل البداية، ويكون هناك يومان حتى يأتي أول الأسبوع، فيلعب في هذين اليومين؛ لا توجد عزيمة ولا يوجد هدف، وهناك ناس لا تعمل جدول مذاكرة أساساً، يقول: هكذا وربنا يسهل بالبركة، وينتظر الواحد من هؤلاء أن يكون من علماء الأمة، نقول: هذا مستحيل، لابد أن يبذل، لا يستطاع العلم براحة الجسم.

احفظ هذه الكلمة الموفقة لـ يحيى بن أبي كثير رحمه الله.

فـ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يجلس على باب أبي بن كعب رضي الله عنه؛ لأن أبي بن كعب كما يقول عبد الله بن عباس من الراسخين في العلم، فيجلس على بابه ولا يدق عليه حتى يخرج، فإذا خرج مشى معه إلى المسجد ويسأله، فـ أبي بن كعب عندما يخرج ويجد ابن عم رسول الله جالساً بالباب يقول له: هلا أخبرتني فآتيك؟ لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عباس ما يزال صغيراً، فيقول أبي بن كعب: هلا أخبرتني فآتيك؟ فيقول ابن عباس: أنت أحق أن آتيك.

يعني: أنت العالم ونحن الذين نأتي لنتعلم عندك.

يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: عندما فتحت البلاد والأمصار أقبل الناس على الدنيا وأقبلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأستفيد من علمه.

كثرت الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكثرت الأموال والخيرات والقصور والثمار والظلال الوارفة، فأهل الجزيرة العربية كانوا يعيشون في صحراء قاحلة، فأول ما حصلت هذه الفتوحات ذهبوا من الجزيرة إلى الشام وإلى العراق وإلى مصر، وابن عباس ذهب إلى عمر بن الخطاب، أي فوز حققه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؟ لقد أصبح حبر الأمة رضي الله عنهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015