لقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه من العلماء الأفذاذ في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وقد قال كلمة عجيبة جداً، قال: ليودنّ رجال قتلوا في سبيل الله شهداء، أن يبعثهم الله يوم القيامة علماء؛ لما يرون من كرامتهم.
يعني: من قتل في سبيل الله شهيداً عندما يرى مكانة العالم يوم القيامة يتمنى أنه لو كان عالماً وليس شهيداً، انظر إلى أي حد وصلت قيمة العلم في نظر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وعمل بهذا القول طيلة حياته، فكان من أعظم علماء الأرض رضي الله عنه وأرضاه، ورضي الله عن الصحابة أجمعين.
وكذلك نفهم الكلمة التي قالها الحسن البصري وقد ذكرناها لكم في درس سابق، قال: يوزن مداد العلماء بدماء الشهداء فيرجح مداد العلماء.
فـ الحسن رحمه الله أخذها من كلمة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه كما ذكرنا قبل ذلك أن العابد والمجاهد والمناضل وصاحب القضايا الهامة إذا فعل كل ذلك ليس عن علم فإنه يضل ويضل، وذكرنا فتنة الخوارج، وذكرنا أمثلة أخرى كثيرة.
وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يقول: العابد الذي يعبد الله على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح من أجل هذا قدم الصالحون العلماء، ورفعوا قدرهم، بصرف النظر عن النسب وعن الشكل وعن السن وعن القبيلة، لا توجد اعتبارات لهذه الأشياء مطلقاً في عرف الفاهمين، العلماء هم أعلى الأمة، لا سلطان ولا صاحب مال ولا أي شيء آخر أعلى من العلماء.