أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.
إخواني مازلنا نتدارس سوياً في القضية الهامة التي أثرناها حول العلم: وهي أمة الإسلام بين علوم الشرع وعلوم الحياة، تحدثنا في محاضرة أولى عن قيمة العلم في الميزان الإسلامي.
وتحدثنا في محاضرة ثانية عن أن هذا العلم ليس مقصوداً به العلم الشرعي فقط، ولكن المقصود به العلم الشرعي والعلم الحياتي جميعاً كلاهما.
ثم ذكرنا في المحاضرة الثالثة والرابعة، الإسلام وعلوم الحياة، وذكرنا الأدلة على أن من مارس واجتهد وكد وتعب في علم حياتي، فإنه بإذن الله إن أخلص النية يكون عمله عملاً من أعمال الآخرة، ويتقرب به إلى الله عز وجل، ونرجو أن يكون ذلك في ميزان حسناته.
بعد هذه التطوافة في أهمية العلوم بصفة عامة سواء كانت العلوم الشرعية أو العلوم الحياتية، وبعد الإحصائيات والأرقام التي ذكرناها والتي أبرزت الهوة الواسعة والفجوة الكبيرة بين واقع المسلمين وبين ما ينبغي أن يكونوا عليه، وبين واقع المسلمين وبين الدول الأخرى التي تعاصرنا في هذا الزمان وظروفها قد تتشابه كثيراً مع ظروفنا، بعد هذا الأمر لا بد من وقفة، إن شاء الله في هذا الدرس سنحاول أن نكون عمليين إلى أقصى درجة، في هذا الدرس نريد أن نجيب عن سؤال في غاية الأهمية ألا وهو: كيف نصبح علماء؟ ذكرنا قبل هذا أنه إذا كان طموحك فقط أن تبقى طويلب علم فأكثر ما يمكن أنك ستصير طالب علم، لكن لو كان طموحك أن تكون طالب علم وأكثر فهذا يحتاج إلى إعداد خاص، يحتاج إلى نفسية خاصة وخطة خاصة وحياة خاصة ومنهج مختلف تتناول فيه كل أمور حياتك، ستأكل بطريقة مختلفة، ستنام بطريقة مختلفة، ستمشي بطريقة مختلفة، ستتكلم بطريقة مختلفة، ستقرأ بطريقة مختلفة، أصحابك سيكونون مختلفين، حياتك كلها ستتغير من أجل أن تبقى عالماً من علماء المسلمين في التخصص الذي أنت فيه، ليس بالضرورة أن تكون عالماً في الفقه أو التفسير أو الحديث وإن كنا نحتاج إلى هذه الفروع أشد الاحتياج، ولكن في مجال تخصصك، سواء في علوم شرعية أو علوم حياتية، وفصلنا في أهمية هذا وذاك كثيراً.
إذاً: كيف نصبح علماء؟ القضية خطيرة.
وذكرنا قبل ذلك أيضاً إحصائية تقول: إن عدد الباحثين في العالم العربي (136) لكل مليون إنسان، بينما عدد الباحثين في إسرائيل (1335) لكل مليون إنسان، وعدد الباحثين في أمريكا أكثر (4000) لكل مليون إنسان، وفي اليابان (5000)، نعم ليس المطلوب أن يكون كل الحضور علماء، لكن المطلوب أن نخرج (5000) باحث لكل مليون إنسان، وليس هذا على الله عز وجل بعزيز عندما تكون النوايا صادقة والطريق سليماً، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، ولا نريد في هذا المضمار أن نسمع دعاوى الإحباط واليأس، فقد ذكرت في الدروس السابقة بعض الأمثلة الإيجابية، فهناك إخوة سمعوا الحديث عن العلم والتعلم وأهمية السبق في هذا المجال فبدئوا يفكرون كيف يتقدمون بالعلم، وهذا طيب وجميل، لكن هناك على الجانب الآخر من أصيب بالإحباط واليأس نتيجة رؤية الفجوة الكبيرة بيننا وبين غيرنا، فأرسل رسائل لا يستقيم أن تأتي من مسلم فاهم واع، فمثلاً يقول أحدهم: ذكرت أن نسبة الأمية في كوبا صفر في المائة في الشباب، وعلى مستوى الدولة كلها الكبار والصغار والرجال والنساء (0،2 %)، وهذه نسبة هائلة فعلاً، فماذا فعلت كوبا، فهي لم تصنع كالصين ولا ككوريا؟ يعني: ما الفائدة من العلم؟ هذا كلام غريب جداً، أنا أتعجب كيف كتبه! كان عليه أن يفكر قبل أن يكتبها، من هذا الذي يقول: إن العلم ليس له فائدة، وليس بالضرورة إذا تقدمت كوبا في الأمية ومحت الأمية من بلادها أن تصنع ككوريا والصين الآن، لكن انظر إلى المستقبل، وكوبا في السنوات الأخيرة تحقق درجة من أعلى درجات التنمية على مستوى العالم، فهي تسبق بلاداً كثيرة جداً في مستوى التنمية، والتنمية مربوطة ربطاً وثيقاً بالعلم، كلما زاد العلم زادت التنمية في البلد، وكلما زادت موارد الدولة زادت إمكانياتها الاقتصادية والتصنيعية، ولا مانع من أن تزيد ببطء، المهم أنها تزيد، لكن أن يقول إنسان: كيف بدولة متعلمة ولم تصنع مثل هذه أو تلك؟ نقول: نحن لا نريد أن نقفز مرة واحدة إلى مستوى أعلى الدول في يوم أو يومين، هذا مخالف لسنن التدرج، لكن المهم أن تسير في الطريق السليم.
وشخص آخر أيضاً بعث لي (إيميل) يقول لي: إن أحد المراكز للبحوث في مصر يقوم بعمل البحوث العلمية ثم يقوم بتصديرها إلى أوروبا أو أمريكا؛ لأنه لا توجد عندن