الدليل السادس: أن العلوم الحياتية وسائل من وسائل فقه القرآن الكريم والسنة المطهرة، يعني: لكي أعرف أفسر القرآن الكريم تفسيراً صحيحاً أحتاج إلى معرفة العلوم الحياتية.
يعني: أن علماءنا القدماء من السلف عندما قرءوا آيات في القرآن الكريم فهموها فهماً معيناً وفسروها على وجه معين، ولما تقدم العلم بالمسلمين فهمنا منها أشياء أخرى وظهرت وجوه جديدة، فمثلاً: قوله سبحانه وتعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ:7] فبعد ظهور العلم الحديث وكلكم تسمعون للدكتور زغلول النجار بارك الله فيه، والدكتور أحمد شوقي إبراهيم وغيرهما ممن يتكلم في هذا المجال، فهؤلاء اكتشفوا أن الجبل الذي فوق الأرض إنما هو جزء يسير من حقيقة الجبل، وأن معظم الجبل داخل الأرض كالوتد، فإذا أضفت إلى ذلك أن مهمة هذه الجبال هي تثبيت الأرض كمهمة الوتد عندما يثبت الخيمة، فهذا متفق مع كلمة الوتد، وهذا يعني الكثير والكثير عندما يكتب في تفسير القرآن، أليس هذا مختلفاً عن مجرد القول بأن الجبال أوتاد يعني: قوية وراسخة وكبيرة؟ فلو فسرنا الآية بهذا التفسير العلمي فكم من الناس في الأرض إذا قرءوا هذا التفسير العلمي قد يسلمون؟! قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]، أحد الإنجليز كان يشاهد برنامج في التلفاز عن أبحاث الفضاء، وكانت المذيعة تقول لعالم من علماء الفضاء: أنتم أنفقتم أموالاً ضخمة على الفضاء وكذا والناس تموت من الجوع ومحتاجة لهذه الأموال، فقال: نحن اكتشفنا تقنيات حديثة، ووسائل في العلاج، ووسائل في كذا، واكتشفنا اكتشافات لم نكن نستطيع أبداً أن نكتشفها لو لم ننفق ما أنفقنا في رحلات الفضاء هذه، قالت له: مثل ماذا؟ قال لها: كانشقاق القمر، ثبت بما لا يدع مجالاً للشك -ونحن لا نفهم كيف- أن القمر قد انشق قبل زمن والتحم من جديد سبحان الله! هذا الإنجليزي كان يشاهد التلفاز وكان قد أهديت له نسخة من القرآن الكريم مترجمة، وقبل مشاهدة البرنامج كانت أول سورة فتحها: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]، فقال: كيف انشق القمر؟! هذا كلام غير مقبول، فلما شاهد البرنامج أسلم من ساعته، وهو الآن من الدعاة إلى الله عز وجل، فهذه إضافة.
فهل ستظل أمة الإسلام منتظرة لأمريكا أو إنجلترا أو أسبانيا أو ألمانيا حتى تكتشف اكتشافاً علمياً فتذهب لتسقطه على القرآن الكريم؟ هذا لا ينفع، على علماء المسلمين أن يكتشفوا العلم، ونحن نجد في كتاب ربنا سبحانه وتعالى هذه الأشياء، فيكون هذا حجة دامغة على العباد، وكتاب الله عز وجل لا تنقضي عجائبه، وسيظل هكذا إلى يوم القيامة، في كل سنة وفي كل قرن يخرج لنا منه شيء، لا تظنوا أن هذه هي آخر القصة، لا، سيأتي مستقبلاً ونرى أشياء أخرى وثالثة وعاشرة، وبعد عشرات السنين من الآن إن كان في عمر الأرض بقية سترون الكثير والكثير، وسيرى أحفادنا الكثير والكثير؛ لأن هذا الكتاب كتاب معجز.
إذاً: العلوم الحياتية لو أخذتها بهذه النية ألا يكون هذا علماً شرعياً يساعدك على تفسير القرآن الكريم، ويساعدك على هداية الناس لرب العالمين، ويفتح قلوب العباد، فمنهم من يفتح القلوب بكلمات رقيقة، ومنهم من يفتحها بالأخلاق الحسنة، ومنهم من يفتحها مثل هذه العلوم، وهذا طريق من أهم الطرق.