هناك فجوات هائلة بين أمتنا وبين غيرها من الأمم في العالم في أمر العلوم الحياتية، لماذا هذه الفجوات الكبيرة؟ هناك أسباب كثيرة جداً، وفي رأيي أن أهم سبب هو فكري ألا وهو الفهم، نحن لا نفهم قيمة العلوم الحياتية حقيقة، وبالذات الشباب الملتزم الذي له واجهة إسلامية واضحة، فهو لا يعطي هذا الأمر قدراً، وقد ساهم في ذلك -وللأسف الشديد- بعض علماء المسلمين، فبعض علماء المسلمين قديماً وإلى الآن يسير على نهجهم البعض صنّفوا العلوم إلى علوم شرعية وحياتية، إلى علوم دينية ودنيوية، أو علوم أخروية ودنيوية، فقالوا: علوم الدين كالفقه والتوحيد والتفسير والحديث وما إلى ذلك، وقالوا: علوم الدنيا كالطب والهندسة والفلك وغيرها من العلوم، فما الذي نتج عن ذلك؟ نتج أن الإنسان الملتزم بدينه يشعر بحرج شديد أن يفرغ من وقته وقوته لأجل الدنيا ويترك الدين، فالدنيا دائماً في كتاب الله عز وجل مذمومة، يقول الله سبحانه وتعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [التوبة:38].
إذاً: الدكتور الذي يخترع الجهاز الطبي أو الذي يعمل دواء أو جهازاً هندسياً أو كذا يكون قد رضي بالحياة الدنيا! ففي فهم هؤلاء لقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [التوبة:38] أي: اترك العلوم الحياتية وانشغل بأمور الفقه والحديث وغيرها، حتى رأينا بعض الطلاب في الهندسة يترك كليته ويفرش أمام الكلية يبيع سواكاً ومصاحف، هذه ليست مبالغات، ولكنا نراها وهي موجودة حقيقة، ويعتقد أنه بذلك يخدم أمته خير الخدمة؛ لأنه مشغول بأمور الدين وليس بالدنيا.
كارثة أن يكون هذا الفهم عند المسلمين، وأنا عندي الكثير من الأدلة بأن العلوم الحياتية علوم أخروية شرعية، والذي يقف عليها يسد ثغرة مهمة جداً لقيام أمته، كما هو مهم أن يقف العالم للعلوم الشرعية على ثغرته تماماً بتمام، لا تقوم أمة فقط على الأمور الشرعية حتى وإن كانت الأمة الإسلامية.