الظاهرة العاشرة والأخيرة: مرتبات الهيئات التعليمية، أساتذة الجامعة، الأستاذ الجامعي في مصر يأخذ (1/ 50) على الأقل من مرتبات الأستاذ الجامعي في أمريكا، هذه كارثة؛ أنا لا أقول ذلك لأني أستاذ جامعي وأريد أن يرتفع مرتبي، لا؛ أنا أقول ذلك لأن معظم الأساتذة الجامعيين يشتغلون بعد الظهر والصبح؛ لأنه يريد يعيش، ولأنه لم يعط مبلغاً يستطيع أن يعيش به، بينما هناك في الغرب الأستاذ الجامعي يأخذ خمسين ضعفاً على الأقل، وبعض الجامعات تعطي مائة ضعف، والأسعار هناك أرخص من عندنا، فهذا الفارق يجعل الواحد هناك من الساعة الثامنة إلى الساعة الخامسة في منتهى الدقة؛ لأن معه ما يرضيه، وهذا الاتفاق ليس هكذا بلا وزن ولا حساب، بل هذا الإنفاق يأتي بمال؛ لأنه لو كان عندك علماء وتصرف عليهم فسيأتون لك بنقود، فبدل ما يكون أقصى أحلامك أنك تستورد جهاز مكينة من الدرجة الثانية أو الثالثة ستصنع عندك جهازاً من الدرجة الأولى، وبالتالي سيجرى العالم كله إليك؛ لكي يشتري منك، وسيكون عندك الذي ليس عندهم، ويكون القرار في يدك، وتكون رافعاً رأسك بالعلم، فهم عندما ينفقون هذا الإنفاق على هؤلاء العلماء يصبحون دولاً قوية صاحبة سيادة وقرار في العالم، ولا نقول أيضاً: الفقر مرة أخرى؛ لأن الوزير عندنا يأخذ أكثر من الوزير عندهم، نعم والله، المرتب القانوني عندنا أكثر من المرتب القانوني عندهم، فعندهم مرتبات مجحفة خاصة بالوزراء وخاصة برئيس الجمهورية وعندهم تضييقات شديدة جداً، وغير مسموح له أن يقبل هدية في أثناء فترة وزارته أو حكمه، حتى إسرائيل نفسها تحاكم زعيم الدولة، إذا أعطى بعض التسهيلات لشركة من الشركات، أو يشك أنه أعطى هذه التسهيلات، لكن الوزراء عندنا يأخذون مبالغ خيالية، فالوزير ونائب الوزير ورئيس المصلحة يأخذون مبالغ خيالية، ورئيس هيئة كذا، تصل المبالغ إلى (200) ألف و (250) ألفاً وأكثر شهرياً وليس سنوياً، وهذا المبلغ لا يحصل عليه وزير هناك سنوياً، فهذا خلل في التوزيع وخلل في الاهتمام وخلل في القضايا الماسة للأمة الإسلامية.
نحن نتكلم على أساتذة الجامعة، فلنأت إلى مدرسين وهم موجودون معنا بأعداد لا بأس بها، لكنهم بؤساء فهم يعملون في التدريس، ودور الواحد منهم أن يعلم ويربي ويبدع ويخرج جيلاً قادراً على قيادة العالم، وفي آخر الشهر يعطى (150) جنيهاً أو (200) جنيه أو (300) جنيه، مما جعلهم يعلنون في صفحات الجرائد عن الدروس الخصوصية، ماذا يعمل إذاً؟ يسرق؟ أنا لست مع الدروس الخصوصية، لكن في نفس الوقت لست مع إعطاء المدرس (100) جنيه أو (200) جنيه ثم نقول له: لا تعط دروساً خصوصية.
إذاً: القضية في الأساس فهم قضية العلم واهتمامي بها مع أولادي ومع مدرستي، أو مع المصلحة التي أنا فيها، أو الوزارة التي أنا فيها، أو الهيئة التي أنا فيها، أو الجامعة التي أنا فيها، أو المدرسة التي أنا فيها، فقضية العلم قضية ينبغي أن تشغل أذهاننا، أما مجرد النجاح، الحمد لله الولد نجح من سنة إلى سنة فهناك طلاب في الإعدادية ما يستطيعون أن يقرءوا ويكتبوا، بل هناك بعض الباحثين في الجامعة أنا كنت أعطي محاضرة في كلية دار علوم والتي كان أحد فروعها الرئيسية اللغة العربية، فأرسلت إلي طالبة بسؤال بعد المحاضرة، أجاركم الله من اللغة التي كتب بها الخطاب! والله لولا أنني داخل الكلية ومتأكد وفي حالة وعي كامل، لظننت أنني بين أطفال تمهيدي أو أول ابتدائي أو ثاني ابتدائي بالكثير، خط ركيك جداً وكلمات عجيبة كل قاف طبعاً مكتوبة كاف، والهمزات كلها مضروبة، طبعاً ناهيك عن الإعراب والنحو والصرف والإملاء، فقواعد الإعراب والنحو والصرف اصرف ذهنك عن أي شيء متعلق باللغة في قراءة هذا الخطاب.
هذه كارثة، هل يا ترى هذه القضايا في رءوسنا أم الذي يهمنا أن آخذ الشهادة وأعلقها في البيت، وأكون أخذت بكالوريوس أو ليسانس كذا أو كذا وانتهت القضية والحمد لله؟ ما تريدون أكثر من ذلك؟ لا، القضية تحتاج إلى وقفة جادة، هذه الحالة التي وصفناها الآن في الأمة يتهم بها الإسلام، هذا واقع، فأعداء الإسلام يقولون: الإسلام دين تخلف ودين رجعية، ويقولون: إن وضع المسلمين كذا وكذا وكذا، وما هذا إلا لأنهم مسلمون، فلماذا الدول الأخرى التي تعبد أي شيء: من شجر أو بقر أو بشر أو لا يعبدون شيئاً تتقدم؟ لماذا؟ إذاً: الإسلام يدعو إلى التخلف، هذا كلام يقال في الغرب ويكتب في كتب وفي تحليلات، هل سنرد أيضاً بالكلام أم سنرد بأبحاث علمية وسنرد بتحرك نحو العلم منذ الطفولة وإلى الكبر؟ هؤلاء القاعدون لابد أن يرتقوا في علومهم اليوم عن الأمس وغداً عن اليوم، الكلام ليس مزحاً، الذي يريد لأمته أن تقوم لابد أن يعلم أنه بغير ذلك لن تقوم الأمة؛ لأن من سنن الشمس أن تطلع من المشرق وتغرب من المغرب، والأرض تدور حول الشمس، هذه سنن ليس فيها تغيير إلا في آخر الزمان عندما ينهار الكون وتقوم القيامة، أما في حياتنا فنحن مطالبون بتطبيق السنن، وكل شيء واضح في كتاب ربنا وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم: (