توجد الجامعات العلمية عند المسلمين منذ القدم، فهناك الجامعة الأموية، وجامعة قرطبة وهي من أعظم جامعات العالم، وجميعنا يعرف الرسالة المشهورة التي أرسلها ملك إنجلترا إلى أحد حكام المسلمين وهو هشام بن عبد الرحمن الثاني في الأندلس، ويرجوه في هذه الرسالة أن يعلم مجموعة من علماء إنجلترا العلوم في جامعة قرطبة، وأمضى الرسالة: خادمكم المطيع ملك إنجلترا.
كانت هذه الرسالة من ملك إنجلترا إلى قائد الدولة الإسلامية في الأندلس.
وكان في قرطبة خمسون مستشفى في سنة (350) هـ وكان فيها ثلاثة آلاف مسجد، وهذه المساجد يصلي فيها المسلمون الفروض كلها، ما عدا الجمع فكانت لا تصلى إلا في المساجد الجامعة الكبيرة التي تجمع المسلمين.
إذاً: هذه مدينة قرطبة سنة (350) هـ.
ننتقل إلى مدينة فاس سنة (600) هـ، وهذه المدينة كانت من المدن الصناعية الأولى في العالم، فقد كان فيها أكثر من (3000) مصنع لنسج الثياب، وكان فيها (47) مصنعاً للصابون، و (86) مصنعاً لدبغ الجلود، و (116) داراً للصباغة، (12) مصنعاً لتسبيك الحديد والنحاس، و (11) مصنعاً للزجاج، و (135) مصنع لصناعة الجير المستخدم في الطلاء، و (400) مصنع للورق وهذا كله في مدينة واحدة، فنحن نتكلم عن مدينة فاس وليس عن المغرب بكامله، وكان فيها أيضاً (188) مصنعاً للفخار، وكان فيها (200) مكتبة لبيع الكتب في سنة (600) هـ يعني: منذ أكثر من (800) سنة من هذا الوقت.
هذه أمثلة وليست هذه كل حضارة المسلمين العلمية، فنحن فقط نفتح صفحات يسيرة جداً في حضارة المسلمين العلمية.
إذاً: الحضارة الإسلامية كانت حضارة تجمع بين علوم الشرع وبين علوم الحياة، وتجمع بين بناء المصانع وبين بناء الإنسان، وتجمع بين المادة والروح كما رأينا، وتجمع بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة فهي حضارة متميزة ومختلفة عن غيرها من الحضارات.